مع غزّة: سهير صبري

مع غزّة: سهير صبري

21 مايو 2024
سهير صبري
+ الخط -
اظهر الملخص
- الكاتبة المصرية تعبر عن قلقها تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، مشيرة إلى تأثيره السلبي على الحياة اليومية والإبداعية، وتشارك تساؤلاتها حول نهاية هذا الجنون.
- تؤكد على أن الأعمال الإبداعية الهامة قد تظهر بعد الصراع، مشددة على دور الإعلام الحر في توثيق الجرائم والبطولات لضمان عدم نسيانها من قبل العالم.
- تختتم برسائل مؤثرة إلى أهل غزة والطفلة دارين البيّاع، معبرة عن إعجابها بصمودهم وتأكيدها على أهمية النضال الإبداعي والإنساني من أجل عالم يسوده السلام والعدالة.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "أكبر مآسينا جميعاً هي زرع هذا الكيان وسطنا"، تقول الكاتبة والمترجمة المصرية في لقائها مع "العربي الجديد"


■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- يشغلني هذا الجنون الشرس ومتى يتوقّف. ألن يصل القبح الإسرائيلي إلى مُنتهاه؟ هل فقَد العالَم صوابه؟ أم هي المصالح تتحدّث؟ هل سيغفر لنا أهل غزّة ما جرى لهم؟ كيف سيكون الحال بعد أن تصمت المدافع؟


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- أعيش الأحداث بكلِّ ألمٍ منذُ اللحظة الأُولى، فأنا من الجيل الذي نشأ على اعتبار قضية فلسطين قضية كلّ العرب. وأجد نفسي في حالةٍ من عدم القدرة على فعل شيء، أشعرُ بأنّ ذبذبات آلام أهل غزّة تصلني شخصياً، وتُفقدني القدرة على عمل أي شيء حرفياً.


■ إلى أي درجة تشعرين بأن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- في الغالب تَظهر الأعمال الإبداعية بعد أن تَسكت المَدافع. حجمُ الجُرم تجاوَز أن تُحَرّك قصيدةٌ ضمير العالم. ربما الوقت مناسبٌ للعمل الإبداعي المُتمثّل في الصورة والكلمة المصاحبة لها. وإن كنتُ قرأت بالفعل أشعاراً بالغة الجمال وتنضح ألماً على ما يحدث. أعتقد فيما بعد ستُروى قصصُ بطولاتٍ فذّة تَظهر في رواياتٍ وأفلامٍ سينمائية. وأتمنّى أن تُروى أيضاً قصص الوحشية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي من خلال جنوده ومستوطنيه. هذه المرّة، بفضل الإعلام الحرّ، لن ينسى العالم الأعمال الوحشية التي فاقت فظائع هتلر والنازية.

حجمُ الجُرم تجاوَز أن تُحَرّك قصيدةٌ ضمير العالم
 


■ لو قُيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- لو قُيّض لي البدء من جديد لاخترتُ أن أمزج بين المجالين؛ لأنَّ فيّ بعضاً من كليهما. كنتُ أودُّ جدّاً أن يكون لي عمل على علاقة مباشرة بالناس، كالعمل الاجتماعي الإنسانيّ مثلاً، لأنّي أفتقد ذلك في الترجمة والكتابة اللتين تُجلساني مع الكمبيوتر والقواميس معظم الوقت. علاقة عمل مباشرة مع الناس كانت لتُسعدني كثيراً، ولا أرى أنّها تتعارض مع العمل الإبداعي، فربما ما تمتلئ به من التواصل المباشر مع الناس يملأ جعبتك بالكثير الذي ينعكس على ما تُنتجه.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- بالتأكيد أريد، مثل جميع الأسوياء، عالَماً بلا حروب، يسوده السلام والعدل. أمّا ما أتمنّاه في الوقت الحالي فهو أن تنجح مظاهرات الشباب الجارية الآن، ليس فقط في وقف الحرب، بل في الدفع لإيجاد حلٍّ عادلٍ ودائمٍ للقضية الفلسطينية، وفي تغيير وجه العالَم. يقولون إنّ هذا الجيل مختلف عن الأجيال السابقة. أتمنّى أن يصدق هذا. وألا يستسلموا كما استسلم آباؤهم، أو ربما أجدادهم، في ثورة الشباب عام 1968 التي كانت لتُغيّر العالَم إلى الأفضل لو لم يتآمر عليها أصحاب المصالح والنفوذ، ويجعلوا العالم بعدها أكثر شراسةً وفساداً. آمل أنّه، عندما يتولّى هذا الجيل زمام الأمور، يتحوّل العالَم تحوّلاً كبيراً نحو السلام والحرية والعدل.


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي توديّن لقاءها، وماذا ستقولين لها؟

- هذا السؤال جعلني أستعيد في ذاكرتي المبدعين الفلسطينيين المقاومين، وما أكثرهم وما أجمل ما أبدعوه، مثل محمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، وفدوى طوقان، وإميل حبيبي، وأُضيف أيضاً المفكّر إدوارد سعيد، وغيرهم. ربما أختار مقابلة الشاعر الفلسطيني سميح القاسم (1939 - 2014) لأقول له: ها هُم أبناء غزّة انتفضوا وقالوا لعدوّ الشمس سأقاوم: "يا عدوّ الشمس لكن لن أساوم... إلى آخر نبض في عروقي سأقاوم".

لن ينسى العالم الأعمال الوحشية التي فاقت فظائع النازية


■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟

- أنتم يا أهل غزّة سبقتم البشرية في نَواحٍ كثيرة، في الشجاعة والصمود والتضحية والتحمّل والجديّة، أنتم ما زلتم تحملون الصفات الإنسانيّة السامية، وأرى، أو أتمنّى، أنَّكم ربّما ستُحرّرون العالَم وتُغيّرون وجهه الكئيب إلى الأفضل بدمائكم الطاهرة. صمدتم كما لم تصمد الجيوش العربية، وأذقتم "إسرائيل" طعم الخسارة، ونتمنّى من الله أن يُكمل نصركم.


■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- أقول للإنسان العربي إنّ أكبر مآسينا جميعاً هي زرع هذا الكيان وسطنا، هو الحدث الذي حدّد مجريات الأحداث بعده، وحدّد، إلى حدّ كبير، مصير بلداننا. أقول له يجب أن نرى حقيقة موقف الولايات المتّحدة، التي تقف دائماً مع العدوّ ضد مصالحنا، ولن تتورّع عن فعل أي شيء لتحقيق مصالحها مهما كانت فداحة الثمن. وأتمنّى أن يحرص كل عربيّ على وصف الصراع بأنَّه ضدّ محتلّ استيطانيّ استولى على الأرض. ضدّ حركة صهيونية ترتكب فظائع في العالم كلّه، وليس صراعاً مع اليهود. لا تقعوا في هذا الفخّ الذي يُصوّرنا عنصريّين على غير حقيقتنا، بينما هم ماهرون في قلب الحقائق.


■ حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟

- دارين، دموعك غالية جدّاً... كيف لطفلةٍ في عمرك أن تُعَبّر عن نفسها بمثل هذه الفصاحة! أذهلتنا بوعيك ويقظتك في هذه السنّ الصغيرة. ستلحقين بعائلتك إلى الجنّة، ولكن بعد عمر طويل تنعمين فيه بالحرية على أرضك بإذن الله، وتقومين فيه بدورك في إعمار وطنك.
يا أطفال فلسطين، نحن خجلون منكم. سامحونا، لا تحزنوا على فراق الأهل، فلم تتحرّر أبداً شعوب دون تضحيات جسيمة كهذه. أتمنّى أن تَشبّوا في بلدكم بعد أن يكون قد حطّم قيود الاحتلال البغيضة، وتنالوا الحقّ في أن تحيوا طفولةً تشبه طفولة باقي أطفال العالم.


بطاقة

كاتبة ومترجمة مصرية من مواليد القاهرة، حاصلة على ليسانس في الآداب قسم اللغة الإنكليزية، وماجستير في الترجمة، عملت مترجمة في عدّة مؤسّسات مصرية وأجنبية. صدرت لها مجموعتان قصصيتان: "وأرقص" (2014)، و"الأبواب المنزلقة" (2021)، وفي الترجمة: "أزمة منتصف العمر الرائعة" (1997)، لـ إيدا لوشان، و"سجون نختار أن نحيا فيها" (2019)، لـ درويس ليسنغ، و"الصورة والأحداث الزائفة" (2022)، لـ دانيال بورستين، و"هل تصنع الثقافةُ السياسة؟" (2023)، لـ لورانس هاريسون وصامويل هنتنغتون.

مع غزة
التحديثات الحية


 

المساهمون