محمد سامي قريقع.. اللحظات الأخيرة في "المستشفى المعمداني"

محمد سامي قريقع.. اللحظات الأخيرة في "المستشفى المعمداني"

27 أكتوبر 2023
الفنان الشهيد محمد سامي قريقع
+ الخط -

أطفالٌ يلعبون في إحدى ساحات "المستشفى الأهلي المعمداني"، يقتربون من بعضهم ليشكّلوا حلَقة يقف وسطها شابٌّ مليء بالحيوية والطاقة، وفي الخلفية نشيد "سلامٌ لغزّة سلام سلام". هذا هو الفيديو الأخير للمستشفى، والذي نشره في السادس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، الناشط الاجتماعي والرسّام الفلسطيني محمد سامي قريقع (24 عاماً) عبر حسابه على "إنستغرام"، بهدف التخفيف من الضغط النفسي عن الأطفال والأهالي الذين لجؤوا إلى هذا المبنى. 

لكنّ طائرات الاحتلال الإسرائيلي بدّدت بغاراتها الوحشية على المستشفى، مساء اليوم التالي، السلام الغزاوي المنشود، فاستشهد إثرها الرسام الشاب، وتجاوز عدد الشهداء الخمسمئة، أغلبهم من الأطفال والنساء والنازحين.

"تذكّروا أنها من النهر إلى البحر"، العبارة الأخيرة التي كتبها قبل استشهاده بيومين

وُلد الشهيد عام 1999، وتخرّج من "جامعة الأزهر" في غزة، حيث ظلّ هاجسه دمج التكنولوجيا بالفنون. ففي أواخر العام الماضي أطلق مشروع "كود الروبيك"؛ ويقوم على طرح جوانب من القضية الفلسطينية، كالتهويد وقتل المدنيين العُزّل والاعتقال والحصار من خلال المسح الضوئي (الباركود). ويعتمد المشروع على تقنيات مختلفة ركيزتها الأساسية ربط "الباركود" بلُعبة مربّع روبيك، إضافة إلى رسم "اسكيتشات" ولوحات تنقل مشاهد حقيقية من واقع فلسطيني يحاول الاحتلال طمسه وتزويره.

الصورة
عمل بعنوان من أنا - القسم الثقافي
"من أنا"، أكريليك على قماش

كان الرسام الشهيد عضواً  في "مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي"، وقد نعته المؤسسة عبر حسابها على "فيسبوك" بالكلمات التالية: "شكّل (محمد سامي) روح المرسم في 'مؤسسة تامر'، كان فاعلاً في كلّ مبادراتنا وكل خطواتنا وأنشطتنا، كان أول المتطوّعين، وآخر المغادرين".

كذلك شارك الشهيد في فيلم تسجيلي قصير بعنوان "المطار"، والذي يرصد حلماً غير متحقّق بأن يعود لغزة مطارها الدولي الكبير، الذي دمّره جيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2001، أي بعد ثلاث سنوات فقط على افتتاحه. "هنا مطار غزة"، يُمسك الرسام الفلسطيني بالريشة ويخطّ هذه العبارة على أحد الجدران المُهدّمة، يتحدّث عن شُركائه الشباب الذين ألهمهم المكان برؤى مختلفة عن وطن مسلوب، وماذا يعني المطار لكلِّ واحد منهم.

انصبّ اهتمام الفنان على الرسوم المصوّرة (الكوميكس)؛ وسعى إلى إنشاء تجمّع فلسطيني للكوميكس يضيء مشاهد من الحياة اليومية. ومن هنا نشأت فكرة مجلة "ترانزيت" التي شارك الشهيد في تأسيسها، خلال العام الماضي، مع مجموعة من الرسامين والمهتمّين في هذا الشأن، وهُم: خالد جرادة، حلا العبسي، هبة شحتوت، آلاء الجعبري، جهاد جربوع، تامر كحيل، فاطمة الهوبي، بيان أبو نحلة، وآخرين.

الصورة
تقلقش - القسم الثقافي
"تقلقش"، من العدد صفر لـ"ترانزيت"

كذلك عقدت المجموعة لقاءات حول موضوعات فنية مختلفة كالفَرْق بين الكوميكس والكاريكاتير، وأهمية السرد البصري، كما أتاحت مسارات تدريبية مع مشاريع كوميكس مُشابهة في العالَم العربي، مثل مجلة "السمندل" اللبنانية. وفي آب/ أغسطس الماضي صدر العدد صفر من المجلّة تحت عنوان "دماغ مفتوح"، والذي وقّع الفنان الشهيد أحد قصصه "تقلقش".

في الرابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، كتب محمد سامي قريقع، عبر حسابه على "فيسبوك"، منشوراً طويلاً يوضّح فيه نزوحه من حيّ الشجاعية إلى "المستشفى المعمداني"، مع مئات العائلات، وكيف لم يتورّع الجيش الإسرائيلي عن قصف المباني المجاورة للمستشفى. "قبل قليل تعرّض هذا المكان لهجمة همجية من قِبل الاحتلال الإسرائيلي، وضرب أحد المباني الخاصة بالمستشفى بشيء أشبه بصاروخ، يحمل صوتاً مُخيفاً ومرعباً جدّاً، في واجهته التي يجلس وينام تحتها هؤلاء المدنيّون ما أدّى إلى إصابة متوسطة لطفل صغير ليس له أي ذنب وهو في حضن والدته وبين الناس".

ولكن تلك الرسالة لم تكن لتصل إلى "العالم الحرّ"، ربما لأنّ كاتبها ليس مُستوطِناً إسرائيلياً. بعد ذلك التاريخ بيوم كتب الشهيد آخر كلماته: "إذا صرلنا إشي.. اتذكّروا إنها من النهر إلى البحر"، لتبدو كأنها نداءٌ للتذكير بالبلاد وحدودها حتى الرمق الأخير.

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون