عامر فردان.. عن الوعي بمركزية القضية الفلسطينية

عامر فردان.. عن الوعي بمركزية القضية الفلسطينية

18 نوفمبر 2023
من وقفة احتجاج تنديداً بمجزرة "المستشفى المعمداني" في غزة، الكويت، 18 الشهر الماضي (Getty)
+ الخط -

ضمن سلسلة ندوات تنظّمها "مكتبة تكوين" في الكويت العاصمة، بالتعاون مع "منصة الفنّ المعاصر" (CAP)، قدّم الباحث الكويتي عامر فردان، مؤخَّراً، محاضرة بعنوان "مركزية القضية الفلسطينية: عن الذي يأتيك ولا تذهب إليه"، في محاولة لرصد القضية في إطارها العربي منذ عام 1948.

انطلق فردان، في محاضرته، من فكرة أنّه في اللحظة التي تلت النكبة، انشغل العرب بتمثيل هذه القضية، وبالأخص بلدان الجوار، في حين كانت بلدان عربية أُخرى ما تزال مستعمَرة. وسيخوض العرب في هذا الإطار ثلاث حروب أعوام 1948 و1956 و1967. ولكن تبيّن بعد الحرب الأخيرة (النكسة) أن النظام العربي قد فشل، وآن أوان أن يستلم الفلسطينيون بأنفسهم زمام المبادرة، والتدشين الرسمي لهذا القرار كان في معركة الكرامة (21 آذار/ مارس 1968)، والتي على إثرها غنّت أم كلثوم أغنيتها الشهيرة "أصبح عندي الآن بندقية".

نضالٌ عمرُه أكثر من مئة عام، ولم ينقطع زخمه رغم تغيُّر الأجيال

انتقل المُحاضر بعدها المرحلة اللبنانية من عمر الثورة الفلسطينية، والتي استمرّت بين عامي 1970 و1982، مشيراً إلى ما خيّم على عقد الثمانينيات من بث روح اليأس على مستوى خطاب النظام العربي الذي تراجع عن مسؤولياته، أو مهّد عبر هذا الخطاب لتلك الخطوة، إلى أن أنقذت انتفاضة الحجارة عام 1987 الموقف، وأعادت الزخم من جديد، ومثل ذلك أيضاً تحقق مع انتفاضة الأقصى عام 2000، ثم أحداث الشيخ جرّاح عام 2021، ومن ثم "طوفان الأقصى" هذه الأيام.

بعد هذا السرد التاريخي، يتساءل فردان: من أين تكتسب القضية هذه المركزية في حياة العرب؟ وهنا يُجيب بأنّ القضية الفلسطينية تستوعب في أبعادها خصوصية لا تتوفّر في ملفّ نضالي في العالم، وعلى مُختلف الأيديولوجيات المُتبنّاة، ففيها يتقاطع الاقتصادي (ثراء الموارد) والديني والتاريخي؛ وهذا الأخير أدّى إلى أطماع استعمارية كبيرة في فلسطين منذ ما قبل التاريخ وإلى اليوم.

الصورة
عامر فردان - القسم الثقافي
عامر فردان أثناء المحاضرة

كما أشار المُحاضِر إلى البُعد الجغرافي الذي يستمدّ أهمّيته من موقع فلسطين المركزي بين الحواضر الكُبرى، وهذا لا يتفعّل من دون أن يرتبط بالديمغرافية. وهنا طرح فردان أمثلة حول بعض المناطق والأقاليم العربية المُحتلّة (وبعضها أكبر من فلسطين من حيث المساحة)، ولكنها لا تكتسب ذات الزخم والأهمية، نظراً للعامل الديمغرافي. وهذا ما شكّل رفضاً لـ"إسرائيل" لا في العالم العربي فقط، بل حول العالم، بمعنى أنها تحتلّ أرضاً تقع في قلب المنطقة العربية والإسلامية، وليست على الأطراف.

أمّا البُعد الاجتماعي فيعزّز هو الآخر مركزية القضية عند العرب، كما نبّه المُحاضِر: "كيف لا والفلسلطينيون من لحمنا ودمنا؟"، وهذا شكل من أشكال الانحيازات الاجتماعية التي تُفسّر مثلاً تأثّرنا وتماهينا مع الأغنيات والشعارات التي نسمعها ونتفاعل معها.

ولفت فردان أيضاً إلى العامل الثقافي، فطيلة القرن العشرين كان الأدباء الفلسطينيون في طليعة المشهد العربي، وهؤلاء هم من نقرأ لهم اليوم اقتباسات وكتابات تجعلنا على مقربة من الحدث، وهو ما سمّاه "وعي الحدث من خلال الأدب".

وختم الباحث بالإشارة إلى البُعد السياسي، فنحن أمام قضية عمرها خمس وسبعون سنة، وهذا شكّل خطاباً عربياً عاماً، وكلّ هذه العوامل ما كانت لتقدّم شيئاً لولا صمود الشعب الفلسطيني، والتعبئة الجيلية المستمرّة منذ ما قبل النبكة وحتى اليوم.

المساهمون