جاد غصن.. عن المقاطعة وخسائر الكيان الاقتصادية

20 نوفمبر 2023
وقفة احتجاجية تدعو إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، الخليل، 28 الشهر الماضي (Getty)
+ الخط -

"هل قتلت طفلاً فلسطينياً اليوم؟"، بهذا السؤال الاستنكاري الذي رفعته شعاراً حملة المُقاطعة في الكويت أخيراً، افتتح الإعلامي اللبناني المُتخصّص في الشؤون الاقتصادية جاد غصن الحلقة الجديدة من برنامجه "الرأس والمال"، الذي يبثّه "التلفزيون العربي" عبر قناته على "يوتيوب". 

ربَط غُصن، في مقدّمته للحلقة، بين أدوات القتل الإسرائيلية المستخدمة في غزة، كالصواريخ والقنابل المحظورة دولياً، وبين ما تحتاجه هذه المعدّات من أموال طائلة لشرائها وتأمينها اقتصادياً، وهذا يتطلّب دعماً ووفرة تؤمّنها كبريات الشركات الرأسمالية، مثل "ماكدونالدز" و"ستاربكس"، الأمر الذي يدعو إلى مقاطعة الأخيرة، كخيار سياسي واقتصادي مباشر، والتوجّه إلى البدائل المحلّية. ولكن هل الطريقة القائمة والمتّبعة، اليوم، مؤثّرة وتردع "إسرائيل" وداعميها حقّاً؟

اتّهمت "إسرائيل" ناشطي حملات المُقاطعة بـ"معاداة السامية" وجرّمتهم

عاد الإعلامي إلى عام 2005، في ذلك الوقت انطلقت حركة المقاطعة حول العالم، على يد نشُطاء فلسطينيّين ويهود مُعادين للمشروع الصهيوني، الذين دعوا إلى مقاطعة الشركات الإسرائيلية، وكذلك المتورّطة بدعم "إسرائيل". وأحال غصن إلى تقرير أعدّته وزارة المالية الإسرائيلية، عام 2013، رسمت فيه سيناريوهات لخطر المقاطعة المتمادي، ومنها ما يشمل مقاطعة منتجات مستوطنات الضفّة الغربية فقط، وتُقدّر خسارتها بـ130 مليون دولار، وفقدان 430 مستوطناً وظائفهم سنوياً. 

أما في حال ازدادت حدّة المقاطعة لتشمل كلّ دول الاتحاد الأوروبي للبضائع المصنّعة داخل الأراضي المحتلّة عام 1967، فهذا يزيد من الخسائر لتصل إلى نصف مليار دولار سنوياً، بالإضافة إلى فقدان 1800 وظيفة. وفي حال توسّعت المقاطعة لتشمل كلّ المنتجات الإسرائيلية بغضِّ النظر عن تاريخ احتلال الأرض المنتجة عليها، فهذا يعني خسارة 10 مليارات دولار سنوياً، وأربعين ألف وظيفة. 

ولفت غصن إلى أن صُحفاً عبرية أشارت عام 2015 إلى الخسائر المتأتّية عن عقوبات أقرّها الاتحاد الأوروبي عام 2013 على منتجات لمستوطنات محتلة عام 1967، وصلت إلى 6 مليارات دولار. وهذا كان من أكبر إنجازات حركة المقاطعة على المستوى الاقتصادي، إلى جانب إنجازات أُخرى على الصعيد الأكاديمي والثقافي والفني، وأبرزها قرار العالِم الأميركي ستيفن هوكينغ الانسحاب من مؤتمر كان يرعاه شمعون بيريز عام 2013. 

لا بدّ من إنزال عقوبات اقتصادية بالكيان على غرار النموذج الجنوب أفريقي

كل ما سبق دفع "إسرائيل" للتعامُل بشكل جدّي مع حملات المقاطعة. حيث أصدرت وزارة التخطيط الاستراتيجي قائمة سوداء بأسماء نشطاء المقاطعة لمنعهم من دخول "إسرائيل"، وحشدت لتنظيم حملة مضادّة تربط المقاطعة بأسطوانة "معاداة السامية"، واستصدار قوانين لتجريم المقاطعة في دول مثل بريطانيا.

لكن السيناريو الأكثر كارثية، حسب غصن، والذي تعتبره "إسرائيل" بعيد الوقوع، هو المقاطعة على المستوى الدولي، أو النموذج الجنوب أفريقي، فبين عامي 1959 و1974 ظلّ الاقتصاد الجنوب أفريقي يسجّل نمواً بمقدار 4.9 بالمئة سنوياً، ولكن مع تحوّل المقاطعة من مستوى المُستهلكين إلى مستوى دولي وصل النمو في أواسط الثمانينيات إلى 0.5 بالمئة فقط. فإذا كانت دعوات المقاطعة على مستوى المُستهلكين قد زعزعت صورة "إسرائيل" في العالم اليوم، فلا بدّ لها من مستوى دولي يكمّلها. 

وختم غصن بأنه من سخريات القدر أن يقتنع علماء وفنانون أجانب بالمقاطعة ويدعون إليها، في حين أن حكّاماً عرب يروّجون لها. فرغم أن قرار المقاطعة، عربياً، يرجع إلى عام 1945 أي قبل النكبة، ولكن تفسّخات أصابته بدءاً من "كامب ديفيد" (1978)، ثم اتفاقَي "أوسلو" (1993)، و"وادي عربة" (1994)، وصولاً إلى "أبراهام" 2020، وما استجلته من معاهدات و"شراكات" مشبوهة، حتى أن وزير الحرب الإسرائيلي صرح قبيل الحرب على غزة بأن 25 بالمئة من صادرات الكيان العسكرية (تُقدّر بـ 12 مليار و500 مليون دولار) ذهبت إلى دول عربية.

يُشار إلى أن الإعلامي قدّم عدّة حلقات من برنامجه، الذي انطلق الصيف الماضي، تناول فيها القضية الفلسطينية، وهي: "إسرائيل: كيف تبني اقتصاد الحرب"، و"طوفان الأقصى: إسرائيل تُحصي خسائرها الاقتصادية"، و"هكذا حوّلت إسرائيل غزة لحقل تجارب لأسلحتها".

المساهمون