يعيش العالم أجواءً مأساوية عقب الإعلان رسمياً عن وفاة طاقم الغواصة "تيتان" التي اختفت في أعماق المحيط الأطلسي في أثناء رحلة استكشافية باتجاه السفينة "تيتانيك" الشهيرة الغارقة هناك منذ أكثر من مائة عام، عندما ارتطمت بجبل جليدي وغرقت في أول رحلة لها عام 1912، وما زال حُطامها يرقُد على عمق 3810 أمتار، وعلى بعد 1450 كيلومتراً تقريباً شرق مدينة كيب كود في ولاية ماساتشوستس الأميركية. وقد أعلن الأدميرال في خفر السواحل الأميركي، جون موغر، 22 يونيو/ حزيران الجاري، العثور على حطام الغواصّة التي فقدت قبل أيام في قاع المحيط ومصرع من كانوا بداخلها. وقال للصحافيين إن مركبة آلية يمكنها الغوص في الأعماق أرسلت من سفينة كندية اكتشفت "حقل حطام" من الغواصة تيتان في قاع المحيط على بعد حوالى 488 متراً من مقدّمة "تيتانيك"، وعلى عمق أربعة كيلومترات من سطح الماء، في زاويةٍ نائيةٍ من شمال المحيط الأطلسي. لا جدال في أن ما حصل كارثة على الصعيد الإنساني، وإن غرق إنسان، كائناً من كان، أمر محزن. ولكن ما بات ملاحظاً في هذه الحادثة أنها شغلت الإعلام الدولي، وركّزت اهتمامات العالم على مصير الغواصة. وقد جُنِّدَت الطاقات الدولية من كندا إلى فرنسا والولايات المتحدة وغيرها للبحث عنها، إلى درجة أن أي إنسانٍ يعيش على سطح الكرة الأرضية بات متابعاً مصير تلك الغوّاصة، وأصبح يدرك كل التفاصيل عن حياة شخصيات الغوّاصين الخاصة الذين كانوا على متنها، لا بل أدقّ التفاصيل في ما خصّ كلفة الرحلة، التي بلغت حوالى 250 ألف دولار للشخص الواحد، وأنّ هدف الرحلة كان لاستكشاف حُطام السفينة الشهيرة.
الغني تتجنّد له الدول لمحاولة إنقاذه قبل وقوع الكارثة، بينما الفقير قد يموت غرقاً نتيجة إهمال الدول له
بينما العالم اليوم يشهد، بإعلامه ووسائل تواصله، على مأساة غرق الغوّاصة "تيتان" التي تديرها شركة "أوشن جيت إكسبيديشنز"، هناك مئات المهاجرين غير الشرعيين الذين يموتون شهرياً في أعماق البحار، من دون أن يعير أحد اهتماماً لهم، باستثناء أهاليهم وبعض الأصدقاء. أظهرت بيانات صدرت عن وكالة التحقيقات الفدرالية الباكستانية أن ما لا يقلّ عن 209 باكستانيين بين ضحايا قارب المهاجرين الذي غرق قبالة ساحل اليونان في 14 يونيو/ حزيران الجاري. وكان على متن القارب حوالى 700 من المهاجرين من سورية ومصر وباكستان، وقد انطلقوا من ليبيا في رحلةٍ كان من المفترض أن تنتهي في إيطاليا، لكن القارب غرق قبالة الساحل الجنوبي الغربي لليونان. وتواجه أثينا سيلاً من الانتقادات بشأن تعاملها مع الكارثة، واتهاماتٍ بشأن مسؤولية محتملة عن غرق القارب الذي كان تحت مراقبة خفر سواحلها ساعاتٍ عدّة قبل الحادثة. هذه واحدة من عشرات الكوارث التي تحصل مع فقراء من دول نامية، يقرّر كثيرون منهم الهروب من فقر بلدانهم، واللجوء إلى دول، أقل ما يقال أنها تؤمّن لهم أبسط حقوقهم الإنسانية، ويموتون غرقاً في قعر البحار والمحيطات، فالموت غرقاً يطاول الفقير أيضاً، كما الغني، ولكن بفارق بسيط، أن الغني تتجنّد له الدول لمحاولة إنقاذه قبل وقوع الكارثة، بينما الفقير قد يموت غرقاً نتيجة إهمال الدول له.
رغم أن الموت سيكون في مشهدية واحدة على الجميع، إلا أنّ البشرية هي التي تضع درجات التفاوت بين البشر
"غريق بسمنة وغريق بزيت" تطبيقاً للمثل الشعبي الذي بات يطبّق على التمييز بين غريق من دول العالم المتطوّر أو غريق من دول العالم النامي، أو التمييز إن كان الغريق غنيّاً أو فقيراً، رغم أن الموت سيكون في مشهدية واحدة على الجميع، إلا أنّ البشرية هي التي تضع درجات التفاوت بين البشر. قد يغرق الغني في البحار والمحيطات بسبب أعطالٍ فنية تحصل في الغوّاصات أو السفن، كما كان الحال مع الغوّاصة تيتان التي أحدثت انفجاراً هائلاً قبل تحوّلها إلى حطام، وقبلها سفينة تيتانيك التي غرقت نتيجة اصطدامها بجبل جليدي، وقد كانت مخصّصة للقيام برحلة سياحية للطبقة الغنية حول العالم. ورغم كل التجهيزات وعمليات الصيانة التي ترافقت مع صنع السفن والغوّاصات كي تكون آمنة أكثر، وقادرة على تحدّي العوامل الخطرة التي ترافق رحلة الأغنياء، إلا أنّ مخاطر الغرق والموت تبقى قائمة. بينما يغرق الفقير، لأنه قرّر الهجرة عبر قوارب غير مؤهلة تسمّى "قوارب الموت" أو "العبّارات" نتيجة جشع أصحابها الذين يحمّلونها فائضاً من البشر عليها ويتركونهم لمصيرهم أمام مخاطر البحر ومفاجآته. كذلك، فإن الفقير في الدول النامية يقرّر الانتحار من خلال الهجرة غير الشرعية هرباً من الفقر الذي يعانيه في بلاده، والذي غالباً ما يكون بسبب طمع الشركات العملاقة متعدّدة الجنسيات التي تسيطر على الموارد الطبيعية للدول النامية، وتستغلّ ضعف حكوماتها لأجل تحقيق مصالحها على حساب الشعب الأصلي. أمام حرمة الموت لا غنيّ ولا فقير، ولا إنسان من دولة نامية وآخر من دولة متطوّرة، بل هناك إنسان يجب النظر إليه بعين الإنسانية التي تميّز العاقل عن سائر الكائنات الأخرى. لهذا، يجب بذل كل الجهود للعمل على إعلاء شأن الإنسان كائناً من كان، وتضافر كل الجهود للعمل نحو مجتمع دولي أكثر إنسانية وحضارية. لهذا، على الجميع أن يرفع الصوت عالياً مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في قمّة "ميثاق مالي وعالمي جديد في باريس" 21 يونيو/ حزيران، عندما قال: "العالم يحتاج إلى صدمة مالية لمكافحة التغيير المناخي والفقر".
أصدر مركز "هدرو" لدعم التعبير الرقمي (منظمة مجتمع مدني مصرية) تقريراً حديثاً، اليوم الإثنين، تناول فيه قضية حرية تداول المعلومات في مصر والحديث عن الأنظمة القانونية والمقارنة بأنظمة قانونية على مستوى الدول والمنظمات الدولية. وبحسب التقرير "يُؤخذ على مشروع القانون عدم وضع ضوابط منطقية للرسوم الخاصة بطلب الحصول على المعلومات، وكذلك ضبط تعريفات اصطلاحية بخصوص الأمن القومي وترك سلطة تقديرية للجهة الإدارية في المادة 28 عقوبات".
ونقل التقرير عن وكيل نقابة الصحافيين المصريين السابق، خالد البلشي، أن "القانون الجديد يكرّس الوضع القائم بما فيه من سيطرة على الإعلام من خلال إنشاء مجلس تختار السلطة التنفيذية أعضاءه".
وأشار التقرير إلى أنه "عملياً هناك ملاحقة ناشطي الإنترنت بخصوص تداول المعلومات، منها محكمة عسكرية حكمت في عام 2010 على مدون إلكتروني بالحبس 6 أشهر لإفشائه أسراراً عسكرية بالرغم من أنها معلومات متداولة، وذلك بسبب أن المشرّع ﻗﺪ توسّع في حظر ﺗﺪاول ﻫﺬا اﻟﻨﻮع من المعلومات من قبل الأفراد حتى وإن سبق نشرها بواسطة القوات المسلحة".
وطرح التقرير ما حدث في مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في إطار ملف حرية تداول المعلومات. وقال "لقد برز الحق في معرفة الحقيقة بوصفه مفهوماً قانونياً على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، ويرتبط ذلك الحق بالتزام الدولة بتوفير المعلومات والحقائق لكل المجتمع".
وتطرّق التقرير إلى حرية تداول المعلومات في الدستور السابق بعد الثورة وفي الدستور الحالي، وكذلك حرية تداول المعلومات في التشريعات، ضمن القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة، ومشروع قانون حرية تداول المعلومات المطروح في مجلس النواب، وحرية تداول المعلومات في المعاهدات الدولية، وكذا ﺣﺮﻳﺔ تداول المعلومات في مواثيق الأمم المتحدة، والمواثيق الإقليمية، ومنظمة ﺍﻟﺪﻭﻝ الأميركية.
وأشار التقرير لثلاثة تشريعات مهمة تمسّ قضية تداول المعلومات، تشمل القانون رقم 20 لسنة 1963 بحظر تداول أنواع معينة من المطبوعات، والقانون رقم 121 لسنة 1975 المحافظة على الوثاﺋﻖ الرسمية ﻟﻠﺪوﻟﺔ وﺗﻨﻈﻴﻢ أﺳﻠﻮب ﻧﺸﺮﻫﺎ، وقانون المخابرات رقم 14 لسنة 1967 بحظر نشر اي أخبار عن القوات المسلحة.
وينص الدستور المعمول به في الوقت الحالي لعام 2014 في المادة 68 على أن: "المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً، وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها، بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقاً للقانون".
وأشار التقرير إلى أن مشروع القانون الذي أعده المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري، وفقاً لتصريح عضو المجلس، هدى زكريا، في 28 مادة، ينص على أنه للكافة الحق في الحصول على المعلومات والبيانات التي لدى الجهات العامة بالدولة، ويتعيّن على هذه الجهات الكشف عن المعلومات والبيانات المحتفظ بها لديها وفقاً للشروط والأحكام المنصوص عليها في هذا القانون.
وحدد مشروع القانون الشروط في "ألا تتعلق المعلومات أو البيانات المطلوب توفيرها من أجهزة الدولة بـ (الأمن القومي، الأسرار الصناعية والتجارية، المفاوضات التجارية، التحقيقات القضائية المحظور النشر فيها، المعلومات الشخصية)".
وبموجب المشروع، ينشأ مجلس "أعلى للمعلومات" يختص بإبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عمله، ووضع السياسات العامة المتعلقة بالإفصاح وتداول المعلومات، ومتابعة قيام الجهات المخاطبة بأحكام هذا القانون بأداء التزاماتها المقررة قانونًا.وأعطى المشروع للجهة الحكومية حق رفض الإفصاح عن المعلومات أو البيانات إذا كان كشفُها يضرّ بعلاقات مصر مع دولة أخرى أو منظمة دولية أو عندما تؤدي المعلومات إلى عرقلة الكشف عن جريمة، أو القبض على الجناة أو ملاحقتهم، أو إعاقة إجراءات التحقيق.
وفي ما عدا تلك المحظورات، ألزم مشروع القانون أجهزة الدولة أن تنشر بشكل فوري، ورقياً أو إلكترونياً، كافة القرارات والسياسات التي تؤثر على الجمهور والمبررات المتعلقة بها، والإجراءات المتبعة في عمليات صنع القرار، بحسب التقرير.
كما أعطى لكل مَن يرغب في الحصول على معلومة أن يتقدم إلى الجهة المختصة لتقديم طلب والحصول على إيصال، على أن يكون للجهة أن ترد على الطلب خلال سبعة أيام عمل من تاريخ تقديمه. وعندما يتعلق الطلب بعدد ضخم من الوثائق على الجهة أن ترد في موعد غايته 30 يوماً، وفي حالة رفض الطلب لا بد أن يكون الرفض مسبباً، ويحق لمقدم الطلب التظلم إلى المجلس الأعلى للمعلومات خلال 60 يوماً من تاريخ الرفض، ليرد الأخير على التظلم خلال سبعة أيام على الأكثر، وبعدها يكون لصاحب الشأن اللجوء إلى القضاء الإداري، وفقاً للتقرير.
ومنح القانون للقضاء سلطة التصريح بإتاحة كافة البيانات والمعلومات بما فيها المتعلقة بالأمن القومي والأسرار التجارية وغيرها.