آرثر ميلر ساخراً من الحب والزواج والإرث

آرثر ميلر ساخراً من الحب والزواج والإرث

07 فبراير 2016
(من المسرحية بإخراج أندريا باتلر، نيويورك، تصوير: روث نيمان)
+ الخط -

تتزامن ترجمة مسرحية "الهبوط من جبل مورجان" للكاتب الأميركي من أصل بولوني، آرثر ميلر (1915 - 2005)، وصدورها بالعربية، مع مرور الذكرى الحادية عشرة لرحيل أحد أبرز أسماء المسرح الأميركي الحديث، والتي ستحلّ في العاشر من شباط/ فبراير الجاري.

الترجمة التي أنجزها عبد السلام إبراهيم، صدرت عن سلسلة "من المسرح العالمي" الكويتية متبوعةً بدراسة "نقدية تأويلية" لـ أسامة أبو طالب. لا تتأخّر المسرحية، التي تُعدّ أحد أهم أعمال صاحب "موت بائع متجوّل"، في الإفصاح عن مقاصده منذ المشاهد الأولى، التي تبدأ مع الشخصية الرئيسية ليمان فيلت وهو في المستشفى إثر حادث سيارة أثناء هبوطه من جبل مورجان.

يرقد فيلت جوار الممرضة الزنجية لوجان، يبادلها الحديث، وبسخرية يلمّح إلى قضية الزنوجة في أميركا، وغامزاً من قناة الرئيس الأميركي داويت إيزنهاور الذي وُقعَ في عهده أول قانون للحريات المدنية منذ صدور قانون تحرير العبيد، في حين بقيت ترسّبات العنصرية تواصل عملها في المجتمع.

ليست الزنوجة موضوع المسرحية، بل واحد من الموضوعات الكثيرة التي يسخر ميللر من طريقة تعاطي الأميركيين معها، كاستراحة من الموضوع الرئيس للعمل الذي يدور حول تعدّد الزوجات، وما يتبعه من مسائل تتعلّق بالحب والإرث والأطفال، والجانب القانوني لكل ذلك.

تزور فيلت، الرجل الخمسيني، زوجتُه ثيو وابنتُه بيسي، قادمتان من مدينة أخرى، وفي اللحظة نفسها تظهر ثلاثينية تُدعى ليّا، هي أيضاً زوجته، من دون أن تعرف الزوجتان بأمر الزواج الآخر. هنا، تبدأ الحوارات بين الزوجتين من جهة، وبين كل واحدة منهما والزوج من جهة أخرى، مع تدخّلات طفيفة للمحامي توم ويلسون، والأب، في تفصيلات تعرض الحب والوفاء والاكتفاء بالأنثى الواحدة، لتمتدّ إلى العلاقات الاجتماعية والزواج.

من خلال الحوارات مع الزوجة ليا، تقارن المسرحية بين جيلين في أميركا، ممثَّلين في مرحلتين من الحياة الزوجية للشخصية. يقول فيلت موجّهاً كلامه إلى زوجته الصغيرة ليّا: "الشيء المضحك أن يتزوج أبناء جيلي ليُظهروا نضجهم، وكذلك بقاؤكِ من دون زواج لنفس السبب".

ربما لزيجات المؤلّف الثلاث وما عاناه، ما مدّه بالمعرفة لعرض معاناة الكثيرين جرّاء نظام الزواج الكاثوليكي؛ حيث كانت زيجته الأولى من ماري سلاتري في كنيسة، أما الثانية من مارلين مورنو، فكانت على يد حاخام يهوديّ، والثالثة من المصوّرة الفوتوغرافيّة إنجي موراث، كانت زواجاً مدنياً.

يحمل العمل استشهادات من التاريخ والكتب المقدّسة، مضافاً إليها تعليقات الكاتب. "أول قانون في الحياة هو الغدر، لماذا وضع كل هؤلاء الأحبار قصّة هابيل وقابيل في صدر الكتاب المقدّس؟"، ذاك في تبرير خيانة ليمان في أحد الحوارات.

في مكان آخر، يؤشّر على طائفة الميثوديين المسيحية البروتستانتية في القرن 18 التي كانت موجهة ضدّ العمال والفلاحين والعبيد، وفي مكان آخر، تظهر براعته في التصوير: "بعد كل التحليلات العادية والروايات والتحليلات الفرويدية، لا نزال غامضين ومجهولين كخط تماثيل ملتصقة بجدار كنيسة".

التفكّك والإرث وحروب الورثة؛ الشرعيين وغير الشرعيين، ما السعادة الزوجية، ما الحب، ما الذنب، ما الأخلاق؟ ذاك هو مجمل حوارات كل من ليّا وليمان من جهة، ومن جهة أخرى حوارات ثيو وابنتها بيسي مع ليمان.

يجمع العمل الإسلوب الهزلي بالمأساوي، وفيه خلاصة تجارب ميلر، من وجوده في أميركا لأب مهاجر، ويهودي، ومتزوّج من دينه، ثمّ من خارج دينه، إضافة إلى توجهاته كناقد متمرّس للرأسمالية ومتّهم بالشيوعية، ووجوده في عالم سريع التغيّر، حيث "ماتت الاشتراكية، والمسيحية انتهت، ولم يتبقّ في الواقع شيء عدا البساطة للدفاع عنها".



اقرأ أيضاً: "الساحل البشري": تاريخ الحضارات يبلّل قدميه

دلالات

المساهمون