صدام حسين هندي أم عراقي؟

صدام حسين هندي أم عراقي؟

04 مايو 2023
+ الخط -

من اللامكان خرج الأمين العام لـ"عصائب أهل الحق"، خرج قيس الخزعلي، في مقطع مصوّر لخطبة عيد الفطر المبارك، يزعم أنّ تحليلًا للحمض النووي الوراثي (DNA) أثبت أنّ الرئيس العراقي السابق صدام حسين "هندي وليس عراقيًا". قالها الخزعلي (في العيد السعيد) بملء شدقيه، لم يأتِ بدليل ولم يذكر مصدرًا، ولم يُعلم الناس بهُوية مختبر التحاليل ذي الصلة!

قال الخزعلي: "صدّام الهدّام… بعد أن قاموا بتحليل الدي إن إيه مالته (الخاص به)، تبيّن أنه هو الذي جاء من الهند". والسؤال: ما الجهة التي حلّلت الحمض النووي لصدام حسين؟ لا تحمل اسمًا؟ جهة تدعم موقفي وتدوزن على وتري ولا أسوق للنّاس كلّ شاردة وواردة عنها! فالادعاء دون تقديم أدلة يسفّه موقف المتكلم، يجعله مضغة في أفواه العوام والخواص، إنه استخفاف لا مثيل له، واستسهال لا يبعد مثقال ذرة عن اللورد ستيوارت روز، وسيأتيك نبأه بعد حين.

المهم أنّ صدام حسين "مطلعش عربي يا رجالة"، كما أنّ "مرسي ابن المعلم الزناتي اتهزم يا مينز"، وهذا حدثٌ سيكون له ما بعده، قولٌ ألقاه الخزعلي صباح 22 إبريل/ نيسان 2023، ليس ببعيد من أول إبريل/ نيسان، وما أدراك ما أول إبريل/ نيسان! قريب من ذلك المثل الحِجاجي القديم "قالوا: الجمل طلع النخلة، قلنا: آدي الجمل وآدي النخلة"، وباللهجة العراقية "هاي حيل قوية".

عزيزي القارئ، لو سمحت، رجاءً اكتُم ضحكتك مؤقتًا، ففي العيد يلبس بعض الأطفال الزي الجديد، ويستمرئ بعض الخلق استحداث هبدٍ جديد، لئلا يضطر إلى قولة "لا جديد تحت الشمس". مثل ما في بعض الخلق استحمار (على طريقة علي شريعتي)، ففي بعضهم استهباد، ومسألة الطائفية صداع لا ينتهي، فتنة قديمةٌ متجدّدة، في الأديان السماوية وغيرها اختلافات تستعصي على الحصر. تسمع هبدًا فتستعيذ بالله من الهبّادين، مثل ما تستعيذ به من المنافقين والتافهين والناقمين والحاسدين، والقائمة تطول.

وفي سياق الفتنة التي تأبى أن ترقد، وإن أخذتها سِنة من النُّعاس فإنّ نومها خفيف، تطلّ برأسها في كلّ الاتجاهات، تمسح الأرض والفضاء بقرون استشعار تفوق قوة الرادارات. كلّ من الخزعلي وصدام ينتمي لطائفة ما، بينهما ما صنع الحداد، وبدهيّ أن ينبري أناس للرد على ما زعمه الخزعلي أو الخزعبلي، ثم فرق يسير.

يقول أحدهم معرّضًا بالاكتشاف غير المسبوق: "لو كان صدام هنديًا لعبدتموه، مثل ما عبدتم الهنود الخميني وخامنئي ومقتدى الصدر والسيستاني". مقذوف في منتصف الجبهة، إحراج ينتزع آهات المناوئين لتوّجه الخزعلي، في حين ارتأى مناصروه أنّ في جرابه أدلة مختبرية وبحثية رصينة تؤكد صدقية المعلومة، "وياما في الجراب يا حاوي"، وإن لم تأتِ "رصينة" بخير.

الادعاء دون تقديم أدلة يسفّه موقف المتكلم، يجعله مضغة في أفواه العوام والخواص

الأدلة الدامغة المحيلة إلى الأصل الهندي لصدام حسين "محلها القلب"، والقلب يعشق كلّ جميل، هكذا قال المغني، مع الاحترام لكوكب الشرق أم كلثوم المصرية كابرًا عن كابر حتى اللحظة، ما لم يخبرنا حمض نووي بغير ذلك. ولا بأس هنا أن نشرع في صكّ مصطلحات، لعل أحدهم يتعطّف ويتلطّف وينسبنا إلى أصولٍ أرستقراطية أو يصل أسبابنا بجنسية ذات حيثية.

ونعود إلى ما استطردنا عنه، فنقول إن آكد الأدلة المزعومة على هنديّة صدام تأتي من كتاب! كتاب وليس مختبرًا، كتاب أنساب وليس ورقة علمية درست صدام تشريحيًا أو تحليليًا، كتاب؟ أيوه كتاب "ولا تباوع". قالها على منبر العيد، صدام هندي يا ولاد، خد مني ومتدورش ورايا؟ يعني هغشك؟!

الكتاب إياه قرأه النسّابة أحمد البنداوي وقال بالفُم المليان: "هذا صحيح"، قالها النسّابة على غِيار الريق، كأنّما يردّ السلام، والدنيا سهلة وما أيسر التلفيق والتوفيق. 

انتشر وسم "صدام هندي" ليجوب الآفاق، والناس في حيرة من أمرها، ما هذا يا هذا؟ في عيد الأضحى يُشنق الرجل ويُضحى به، وفي عيد الفطر يُكتشف أنه هندي الأصل؛ ماذا فعلت يا صدام ليُفعل بك ذلك في العيدين؟! احترت ودرت، صبّرني يا ربي.

فجأة، ابتسمت على غير العادة، وكثيرًا ما يحدث ذلك، لعلّه العرق الهندي، فأخوالي بنو هندي (صدّق أو لا تصدّق)، وتقافزت في ذاكرتي حالة وقعت لي مع نسّابة متواضع، "ميحبش يتكلم عن نفسه". 

الجو بونو بونو، ونسمة هواء عليل تسري في أوصالنا، والقوم جلوسٌ على شاطئ سُميسمة، وإذ بصديق يكسر حاجز الصمت ضاربًا كفًّا بكف "يا أخي فاطمة تريكي دي جبّارة، تقاريرها تِشرح القلب الحزين، تَشرح المواقف بطريقة السهل الممتنع، هي وفوزي بشرى يبدعان في تقاريرهما، أنا أنتظر هذه التقارير انتظار المعدة للطعام".

قال آخر: "عندك كمان وليد العطّار، تقاريره متقنة، كتابةً وأداءً وصوتًا، بس أنا عندي سؤال: هي فاطمة تريكي دي من أي بلد؟ جنسيتها إيه؟". لحظتها، كنت أشرب، "في فمي ماء"، ومن ثَم لا يُنتظر مني جواب، فابتلع صديقي حمادة لطفي ريقه وقد طوّح به النسيم وقال "فاطمة تريكي عراقية".

الفتنة نومها خفيف، تطلّ برأسها في كلّ الاتجاهات، تمسح الأرض والفضاء بقرون استشعار تفوق قوة الرادارات

"شلون عراقية؟" يسأله صديقنا الدكتور أحمد الجنابي الخبير اللغوي، مضيفًا "ما عندنا تريكي في العراق"، ووجدتني أحاول الحفاظ على ما تبقى من ماء وجه العزيز حمادة "تقصد لبنانية"؛ فردّ بنبرة العالم ببواطن الأمور "نعم، لبنانية من أصول عراقية".

في هاتيك اللقطة، كان لزامًا علينا أن نكبّر لهذا التخريج البهيج وهذه النقلة النوعيّة، ونكبِر في أنفسنا هذا النسّابة الذي لم نكتشفه قبل اللحظة، ومن ساعتها إلى يوم النّاس هذا، أُضيف للنسّابين عَلمٌ جديد يقال له "العلّامة النسّابة حمادة لطفي".

أما عن ستيوارت روز، فحكايته حكاية، وموجزها أنّ الرجل بدا ملتبسًا بلبوس النشاط إبّان أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وترأس مجموعة تُدعى "بريطانيا أقوى في أوروبا"، وهي تدندن على وتر البقاء تحت لواء الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإنّ اللورد يسعى لإقناع البريطانيين وكسب أصواتهم.

في هذا الصدد، أجرى مراسل سكاي نيوز فيصل إسلام مقابلة مسجّلة مع اللورد روز، في مستهل المقابلة يقول صاحبنا: "أنا ستيوارت روز، رئيس شركة أوكادو". أول القصيدة كفر يا لورد! ماذا تفهم عزيزي القارئ، من ذلك؟ بالطبع، كما تقول، نفهم أنّ الرجل لم يعطِ المقابلة ما تستحقه من الأهمية والاستعداد، أو لم يكن على علم بموضوع المقابلة، كان يظنها مقابلة أخرى، لذلك ذكر اسم شركته، فاته أنها مقابلة ذات أهمية خاصة، هذا استنتاج له مسوّغاته، أليس كذلك؟

من حسن حظه أنّ المقابلة كانت مسجّلة، فاستوقفه الصحافي وأعيد التسجيل، وفي المرة الثانية، قال "أنا ستيوارت روز، رئيس حملة أفضل في بريطانيا.. ماذا؟ حملة أفضل إقامة في بريطانيا". هل تظن أننا تحاملنا عليه حين قلنا إنه لم يستعد للمقابلة؟ أعيد هذا المقطع الافتتاحي من المقابلة 4 مرات، هذا انطباع أول قوي المفعول، لو وصل إلى وسائل التواصل فستكون العاقبة وخيمة، ربما تنسف مصداقية روز وجمعيته، إن شاء معارضوه أن يكيلوا له الهجاء، أن يسلطوا الضوء على زيف قضيته، أن يركزوا على المفارقة الصارخة في موقفه، لن يجدوا أفضل من هذا المقطع.

هل قلت لك إنّ المقابلة (لحسن حظه) مسجّلة؟ لعل من سوء حظه كذلك أنها مسجّلة، فكلّ ما يدور عرضة للبث. وجد المقطع سبيله للرأي العام، فالقاعدة الصحافية تقول: "لا شيء خارج التسجيل"، وما يسجّل سيظهر للعلن اليوم أو غدًا. عقب المقابلة، هوجمت مجموعة "بريطانيا أقوى في أوروبا"، وأطلق عليها خصومها لقب "مجموعة جنون البقر". 

أهدى ستيوارت روز خصومه هذه السقطة بباذخ الكرم، وقد أحسنوا استثمارها، ولسان حالهم "يداك أوكتا وفوك نفخ".