المـؤامـرة

المـؤامـرة

24 أكتوبر 2014
+ الخط -

لا أتبنى نظرية المؤامرة، ولا أحب أن أتبناها. لا لأنها ليست حقيقية، ولكن لأنها أصبحت الشمّاعة التي يعلّق عليها الجميع أخطاءه. فالجميع يتهم الجميع بأنه متأمر، حتى أصبحت تهمة التآمر جاهزة في أي وقت لكل مَن يتحدث عن الأخطاء، أو الرغبة في الإصلاح أو عدم الرضى عن الوضع القائم. ولكن، مَن ينظر إلى حقيقة الأمر يجد أن ما يحدث لا يمكن أن يحدث مصادفة، أو بدون تخطيط.

أن يتحوّل الحلم إلى كابوس!

أن ترتفع الآمال إلى عنان السماء، ثم تهبط إلى أسفل الأرض!
 
أن تتحوّل الطاقة الجبارة التي ظهرت مع بداية الربيع العربي، من رغبة مشتعلة في البناء، إلى يأس ولامبالاة، بل، وأحياناً، رغبة في الهدم والدمار، بدلاً من البناء والإعمار!
 
ذلك كله لا يمكن أن يحدث بالمصادفة. بالطبع لا، ولكن، لا يمكن أن نستثني أحداً من الوقوع في فخ المؤامرة، فكل الأطراف ساهمت في إنجاح تلك المؤامرة، بشكل أو بآخر. وأنا، كما أسلفت، لا أحب أن أتبنى هذه النظرية. ولهذا، أفترض حسن النية لدى الجميع، وأرى أن الجميع ساهم، بغير نية حقيقية، في التآمر والهدم. ولكن، هناك مَن ساهم بطمعه وطموحه الزائد عن الحد، وهناك مَن ساهم كرهاً وحقداً على طرف من الأطراف حقق نجاحاً، فتمنى هدمه، حتى لو هدم معه كل شيء، وكان ذلك كله لا يصب إلا في مصلحة العدو الأول لنا، كأمة عربية وإسلامية، وهو الكيان الصهيوني الذي أصبح يفعل ما يريد، من دون أي مبالاة لغضبة شعب، أو حكومة عربية. فالجميع غارق في مشكلاته الداخلية، حيث لا توجد دولة عربية، الآن، خالية من المشكلات والصراعات الداخلية.
 
والأخطر من هذا أن تلك المؤامرة نجحت في إقناع قطاعات كبيرة، مع الأسف، بأن الكيان الصهيوني أقل خطراً من مقاومته، وأن مَن يقاومونه هم المجرمون، حيث تمت شيطنة تلك الحركات بصورة ممنهجة. واتضح ذلك في العدوان الأخير على قطاع غزة، حيث وجدنا مَن ينادي بالقضاء على المقاومة، بل والتهليل للكيان الصهيوني على ما يفعله من جرائم.

أفعال لم يكن يصدقها عقل، قبل سنوات قليلة، ولكنها وقعت بالفعل، فهل وقعت مصادفة؟
 
ولقد نجحت، أيضاً، تلك المؤامرة الخبيثة في إقناع قطاعات ليست قليلة من شعوب الربيع العربي، بأنه ليس ربيعاً عربياً، بل هو مؤامرة خارجية، هدفها هدم الدول العربية وإسقاطها.

لا يمكن القول إن الثورات التي قامت في بلادنا العربية مؤامرة خارجية، لأنها لم تقم على أنظمة ديمقراطية عادلة، وإنما قامت على أنظمة مستبدّة، حكمت عشرات السنين، ولم تصل بشعوبها، ولا بلادها، إلى أي نجاح يذكر. بل على العكس، لم تحصد تلك الشعوب إلا المزيد من الفقر والظلم والتخلّف. لذلك، كان لا بد من قيام ثورات تنهي تلك الأنظمة.

والأهم من ذلك أن تلك الأنظمة لم تكن على خلافٍ مع الأطراف الخارجية التي تدير المؤامرة الكبرى، وهم، بالطبع، اللاعبون الكبار في هذا العالم، ويعلمهم الجميع، والذين لا يهمهم في الشرق الأوسط إلا أمن الكيان الصهيوني، ولا يختلف أحد حول مساْلة أن تلك الانظمة حافظت على أمن ذلك الكيان، بشكل لا يمكن أن يتكرر.

فمَن الذي يتآمر على أنظمة كهذه، ويود إسقاطها؟ ومَن يقول إن ثورات الربيع العربي كانت مؤامرة خارجية فهو شخص ساذج، أو معتوه، بل إن المؤامرة أتت بعد ذلك، لإفشال هذا الحلم الكبير، والخروج من التبعية إلى الحرية والاستقلال، فاستغلوا وجود الصراعات الداخلية والأحقاد والأطماع، ليدمروا إنجاز الشعوب.

لا يمكن أن تتقدم أمة بالنفاق، أو الانتصارات المزعومة. لا تتقدم الأمم إلا بتضافر الجهود والعمل الجاد، وليس بالشعارات الكاذبة، ولا يأتي هذا إلا بالعدل بين الجميع.

54371B97-F27A-4F03-A352-C9873B781B99
54371B97-F27A-4F03-A352-C9873B781B99
السعيد حمدي (مصر)
السعيد حمدي (مصر)