رأيهم في الدين والسياسة

رأيهم في الدين والسياسة

01 أكتوبر 2014

من مظاهرات 20 فبراير 2011 في المغرب (تطوان/أ.ف.ب)

+ الخط -

 

79 % من المغاربة يرفضون استخدام الدين في تمرير السياسات الحكومية، و96% منهم يرفضون تكفير الآخر الذي يختلف معهم في الملة أو الدين و58% من المغاربة يعارضون فصل الدين عن السياسة. 73% يؤيدون النظام الديمقراطي في مقابل 17% يعارضونه. 81 % قالوا إن النظام الديمقراطي التعددي ملائم لبلدهم.
هذه أبرز النتائج بشأن المغاربة لأحدث استطلاع لقياس الرأي العام العربي، ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وهو الأكبر إلى الآن في العالم العربي، فقد غطى 14 بلداً عربياً، منها المغرب، وشمل 26619 مستجوباً.
ماذا تعني الأرقام أعلاه؟
أن يرفض 79% استعمال الدين لتبرير السياسات الحكومية، لا يعني أن المغاربة لا يرون للدين مكاناً في الحيز العام، لأن 58 % منهم قالوا في الاستطلاع نفسه إنهم يعارضون فصل الدين عن السياسة. وهذا معناه أن المغاربة متدينون، لكنهم يميزون بين التدين الفردي والجماعي وتبريرات القرارات السياسية التي يجب أن تخضع لمعيار المصلحة والعقل والتدبير، لا لمعيار الدين والغيب والمقدس، وهذا شأن باقي الشعوب، خصوصاً المحافظة منها، مثل الشعب الأميركي الذي يمثل الدين مكاناً بارزاً ومؤثراً في حياته، لكن السياسة والقرار والتصويت تتم، في الغالب الأعم، بناءً على حساباتٍ دنيوية، وليس لاعتباراتٍ دينية، أي أن الأميركي مهما كان متديناً فهو يحكم على السياسي بناء على المصلحة والقانون والدستور والتوافقات العامة التي تبنى وسط المجتمعات الحديثة.
على الذين يتحمسون كثيراً لسياسات الدولة الدينية في المغرب، والذين يتجهون إلى تغليب العلاقات الروحية بين الحاكم والمحكوم، على حسابات التعاقدات الاجتماعية والسياسية، أن يعيدوا حساباتهم، وأن يقرأوا هذه الأرقام بتمعن، وأن يفهموا أن الدين مجال خصوصي للمجتمع، وأن الدولة لا دين لها، وهي مطالبة بأن تقف على مسافة واحدة من كل الأديان والمذاهب والثقافات، تضع قوانين السير حتى لا تقع الحوادث، لكن، لا تنزل هي إلى الشارع لتسوق عربات المقدس باتجاه اليمين أو باتجاه اليسار.
96% من المغاربة يعارضون التكفير. هذه رسالة واضحة للسلفيين، جهاديين وقاعديين. المغاربة شعب متعدد الأديان والأعراق واللغات، عاش في مفترق طرق حضارات وثقافات ودول وهجرات. موقع البلد الجغرافي والثقافي يجعله جسراً، والجسر بطبيعته لا يحتمل السير في اتجاه واحد. لهذا، على السلفيين وعموم الإسلاميين أن يحلوا "عقدهم الفقهية" تجاه الآخر، وإن خالفهم في العقيدة أو المذهب أو التفسير أو التأويل. هذه بلادٌ التكفير فيها عملة غير قابلة للصرف، مهما كانت المبررات والظروف والأحوال.
استطلاع الرأي هذا كشف أيضاً عن حقائق مثيرة في دنيا العرب، منها أن "الربيع العربي" لم يمت، وإنْ نعته وسائل إعلام الاستبداد والفساد والبترودولار، وأن إسرائيل التي هلل لها بعضهم، بمناسبة الحرب على غزة، ما زالت جسماً غريباً عن المنطقة، وأن الحركات الإسلامية التي كانت تتربع على عرش الشعبية في العالم العربي بدأت تفقد وزنها الكبير، وأن 43% من المستجيبين في 14 بلداً عربياً أصبحوا متخوفين منها، ومن ازدياد نفوذها.
الخلاصة أن العرب والمغاربة، على الرغم من كل المحن والفتن والقلاقل المحيطة بهم، وعلى الرغم من الفساد والاستبداد ما زالوا يفكرون مثل باقي الأمم في السياسة والدين والديمقراطية والحرية، وأن كليشيهات الغرب عن الشرق الغارق في أجواء القرون الوسطى، وغير القابل للتطور والعيش في العصر الحديث خاطئة تماماً. مشكلة العرب أن الأقلية وسطهم تختطف الأغلبية، وصوت التطرف يسمع من بعيد، لأن الاعتدال، بطبيعته، يميل إلى الهدوء، هذه هي الحكاية.

 

 

 

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.