تصفير المشاكل يجلب مشاكل

تصفير المشاكل يجلب مشاكل

28 يناير 2015

مقاومون في رسم على جدار في غزة (ديسمبر/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -
يروي عماد الفالوجي، القيادي السابق في حركة حماس، في كتابه "درب الأشواك"، قصة ذات دلالة كبيرة، تفيد بأن وفداً من "الشخصيات الإسلامية العالمية"، التقى نهاية عام 1990، الملك السعودي الراحل، فهد بن عبد العزيز، في مسعى إلى إيجاد حل سلمي لأزمة الغزو العراقي للكويت، بمشاركة الناطق السابق باسم "حماس"، إبراهيم غوشة. وحينما قدموا غوشة للملك، بصفته التنظيمية ممثلاً عن "حماس"، وكانت ما تزال حركة وليدة، سريعة الانتشار، ولم تصنع أي تحالفات إقليمية بعد، ضغط على يده، وبشّ في وجهه.
كما لقي غوشة ترحيباً مشابهاً من مختلف الأطراف الذين التقاهم الوفد، مثل مرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي، والرئيسين الراحلين العراقي صدام حسين، والسوري حافظ الأسد.
وكانت هذه الإشارات، على بساطتها، مؤشراً قوياً على ترحيب مبدئي من هذه الدول، بموقف حماس، القائم على "الحياد"، وعدم الزج بنفسها، وبالفلسطينيين في أتون مشكلات المنطقة، خصوصاً أنها لم تؤيد الغزو العراقي للكويت، على خلاف موقف منظمة التحرير الفلسطينية، الذي ساند النظام العراقي.
وأعتقد أن حركة حماس قد تكون سبقت، أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء التركي، في نظريته "تصفير المشاكل مع دول الجوار"، والتي كانت من المبادئ الأساسية التي ذكرها في كتابه "العمق الاستراتيجي". فقد حرصت الحركة، منذ بداية تأسيسها، نهاية عام 1987، على النأي بنفسها عن التدخل في شؤون الدول العربية المجاورة، مستفيدة من التجارب السابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
لكن أزمات المنطقة التي تتوالى تباعاً أثبتت، بما لا يدع مجالا للشك، أن نظرية "تصفير المشاكل" قد تكون خيالية، أو مثالية، أكثر من اللازم، فتركيا التي أطلقت النظرية لم تتمكن من الاستمرار طويلاً في التمتع بثمارها، حيث وجدت نفسها تغرق في إشكاليات عميقة (ظاهرة ومستترة)، مع دول رئيسية في المنطقة، كسورية ومصر وإيران والسعودية والإمارات والعراق.
أما حركة حماس، فلم تنجح كذلك في الوقوف على الحياد طوال الوقت، فقد انضمت، قبل موجة الثورات العربية، إلى محور "الممانعة"، ويضم "إيران وسورية وحزب الله"، في وجه محور "الاعتدال" وضم السعودية ومصر والإمارات، والأردن والسلطة الفلسطينية. كما سبق لحماس أن تمكنت من نسج علاقات وثيقة ومتينة مع إيران وحزب الله وسورية، لكن رفض حماس تأييد النظام بعد اندلاع الثورة السورية وتّر العلاقات بينهم.
وكانت حماس قد تمكنت من إقامة علاقات "غير كاملة"، مع نظام الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، لكنّ النظام المصري، الحاكم حاليا، قطع تلك العلاقات ووضع الحركة في خانة "الأعداء"، وشدد عليها الحصار، والخناق.
واليوم، يلاحظ بشكل واضح سعي حماس إلى إعادة نسج علاقاتها الإقليمية من جديد، وتصفير مشكلاتها مع "الجيران"، في محاولة للانسلاخ من حالة العزلة الدولية الحالية. وقد ظهر هذا جليا في قرارها تحسين علاقاتها مع إيران، وإرسالها رسالتي "غزل"، لحزب الله اللبناني، موقّعتين من زعيمها في غزة، إسماعيل هنية، وقائد كتائب القسام، محمد الضيف، للتعزية في قتلى حادث "القنيطرة".
وفي الوقت نفسه، استغلت حماس، وفاة ملك السعودية الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، في محاولة لترميم العلاقات مع الرياض، فأسهبت في الإشادة بالعاهل السابق، وبدور المملكة في خدمة "القضية الفلسطينية".
لكن، ليس الأمر سهلاً، فتصفير المشكلات يتطلب الجمع بين التناقضات، وهو أمر بالغ الصعوبة، فتحسين العلاقات مع المحاور المتصارعة في المنطقة في وقت واحد، قد يكون ضربا من المستحيل.
ومكمن الصعوبة، هنا، يتمثل في أن حماس "طرف ضعيف"، تسعى الأطراف الإقليمية إلى "تدجينه"، أو الاستفادة منه، وتأبى أن تجعله يمتلك رفاهية اختيار "الجمع بين الحلفاء"، بل إن سعي حماس إلى "تصفير" مشكلاتها مع بعض الأطراف، سيجعلها تفقد علاقاتها مع أطراف أخرى.
EE1D3290-7345-4F9B-AA93-6D99CB8315DD
ياسر البنا

كاتب وصحافي فلسطيني مقيم في قطاع غزة