مجزرة الشجاعية: فشل المحتل ووحشيته

مجزرة الشجاعية: فشل المحتل ووحشيته

23 يوليو 2014
+ الخط -


المجزرة التي أقدم عليها الكيان الصهيوني في حي الشجاعية في قطاع غزة، تعتبر من بين الأفظع في تاريخ النزاع العربي الصهيوني، ويمكن قياسها بمجازر دير ياسين وصبرا وشاتيلا في الوحشية والضخامة، العدد وصل إلى 72 شهيداً، وأكثر من 250 جريحاً، والعدوان كان بالمدافع والطيران، يستهدف منازل المدنيين، وكان أغلب الضحايا من الأطفال والشيوخ والنساء.

الاحتلال، بطبيعته البربرية وتاريخه الدموي، يفسر بجلاء هذه الجريمة البشعة، فالكيان الاحتلالي غاصب وقائم على العدوان وسفك الدماء، وغزة كانت بعد الانسحاب الصهيوني منها في 2005، عرضة للعدوان المتواصل، استعملت فيه أفظع الأسلحة، بما فيها اليورانيوم المخصب والقنابل العنقودية في 2008-2009 و2012. ولكن، هذه المرة، كانت المجازر الإرهابية أبشع، بسبب الفشل العميق في تحقيق الأهداف العدوانية، وتكبد العدو خسائر بشرية ومادية ومعنوية عالية جداً.

المقاومة الباسلة في غزة، بكل فصائلها، أثبتت أنها تقود ملحمة النصر المظفر، وتحدت ببطولتها كل العوائق الكبرى، والخذلان والتآمر والتواطؤ والخيانة التي واجهتها، ومنذ بدء الهجوم البري، حققت ضربات موجعة للعدو الصهيوني، وأنجزت عمليات نوعية من طراز ضخم.

القسام وسرايا القدس، مع باقي شركائهم من فصائل المقاومة، ألحقوا خسائر فادحة في الأرواح والمعدات في صفوف الجيش الإسرائيلي الجبان، في مواجهات مباشرة، وضمن مجموعة كمائن محبوكة باحتراف ومهارة. كانت حصيلة هذه الكمائن أنها قضت على أكثر من خمسين صهيونياً، بين ضابط وجندي، كذلك ألحقت المقاومة ضربات موجعةً في صفوف أقوى لواء عسكري في جيش العدو، اللواء جولاني الذي سقط قائده ونائبه بإصابات خطيرة، وهؤلاء هم نخبة النخبة في جيش العدو، والذين يفاخر بهم وبعربدتهم.

هذه الخسائر الفادحة في صفوف العدو، حققتها المقاومة في وقت قصير، وفي ظروف صعبة، وإذا ما أضيفت إلى الخسائر الكارثية التي حققتها المقاومة في قلب الكيان الصهيوني، بين ذعر وانهيار اقتصادي وأمني ومالي ومعنوي، نفهم كم هي المقاومة رقم صعب أمام غطرسة المحتل. أما صواريخ المقاومة التي دكت أبعد الحدود في الأرض المحتلة، فأظهرت الانتصار النوعي للمقاومة، وأدخلت العدو في حالة تخبط وهستيريا.
وكان متوقعاً أن لا تمر إنجازات المقاومة من دون انتقام عشوائي عبثي ضد المدنيين والبيوت والمدارس والمستشفيات في غزة. يقوم الكيان الغاصب بهذه الحملات الانتقامية ليشفي غليل وحشيته، ويقدم شيئاً معنوياً لجنوده المنهارين، وللصهاينة المصعوقين بتهديدات المقاومة لمشروعهم ووجودهم. لم يكتف العدو بتصفية الأطفال، في أثناء لعبهم على شاطئ غزة، على مرأى من كاميرات العالم، بل أطلق آلته العسكرية لارتكاب مجازر تستنسخ مجزرة قانا في جنوب لبنان سنة 2006، وإن دل هذا على شيء، فإنما يؤكد فشل الكيان المحتل في كسر إرادة المقاومة الجبارة، وتحقيق أي شكل من الانتصار عليها.

الجريمة البشعة في حي الشجاعية تمثل جريمة إبادة جماعية، وجريمة حرب بموجب القانون الدولي، ولكن إسرائيل تبقى فوق أي محاسبة دولية، في ظل وضع الحماية والدعم الذي تتلقاه من تحالفها الأميركي الأوروبي، وتستغل حالة الصمت الدولي عامة، والعجز العربي خصوصاً، بل تواطؤ الجيران، أيضاً، وهي، بذلك، وجدت حصانة لجرائمها، ما شجعها على الإمعان في أفعالها ضد الإنسانية، وفي استعراض دمويتها ووحشيتها. التواطؤ جاء على لسان كثير من النخب والإعلاميين العرب، ومنهم من ألقى بالمسؤولية على حماس وفصائل المقاومة، وهؤلاء المنظرون ضد المقاومة لا يمكن تصنيفهم إلا شركاء في الجرائم الصهيونية.

الكيان الصهيوني منع المساعدات عن غزة، واستهدف سيارات الإسعاف وطواقمها المتجهة لإنقاذ المصابين، وما زاد في إطلاق العدو وحشيته موقف العار من النظام المصري والسلطة الفلسطينية، لكن المقاومة لا تأبه بالمارقين، ومن الواضح أنها أعدّت العدة والعتاد للمعركة الحاسمة، بالاعتماد على نفسها وأصدقائها.

المطلوب من العرب الشرفاء من الحقوقيين توحيد الجهود لفضح الجرائم الصهيونية، ونشر القضايا الدولية وملاحقة المجرمين، محلياً ودولياً، ومن الإعلاميين الدفاع بشراسة عن القضية، ومن الأطباء التبرع والذهاب بكثافة لمد يد المساعدة. الدعم المالي طبعاً مطلوب من الجميع، بهدف تمكين إخوتنا في الثغور من الصمود بخسائر أقل، وحتى نهاية المعركة، وتكبيد العدو مزيداً من الخسائر، في انتظار كسر شوكته النهائية. الدعم الميداني من خلال المظاهرات والندوات والتظاهرات الفنية والنفير العام، له دور كبير وحاسم في نتائج المعركة.

المقاطعة الاقتصادية لبضائع العدو وللشركات التي تتعامل معه في العالم أصبحت، اليوم، واجباً مقدساً، وهو عالي الفاعلية، أما تفكيك شبكات التطبيع الثقافية والأكاديمية والتجارية والفنية والرياضية، وكشف أعضائها والمتورطين في هذه الجرائم، فهو في صلب مهمة مواجهة حركات الخيانة والتآمر، وضروري جداً لإسناد الشعب الفلسطيني ومقاومته. ولن نطلب من أهل الخط الرسمي في تونس الكثير، فنحن نعرف خنوعهم ومقارباتهم المصلحية، لكن، هناك ثلاثة أمور نطلبها بإلحاح:
أولاً، ثمة نصان ترتيبيان منشوران في الرائد الرسمي سنة 1996 يقضيان بفتح مكتب تجاري للكيان الصهيوني في تونس ومكتب لتونس في تل أبيب، وجب استصدار نصوص ترتيبية تلغيهما فوراً.
ثانياً، هناك مبادرة عربية للتطبيع العربي مع الكيان الصهيوني لا تزال نافذة منذ قمة بيروت سنة 2002، وتونس طرف فيها، وجب سحب دعم تونس لها.
ثالثاً، هناك مشروع قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني على رفوف المجلس التأسيسي، بعد رفض الفصل 27 من الدستور في هذا الصدد، وجب، اليوم، إخراجه واستعجال النظر فيه، والمصادقة عليه لدعم المقاومة.
النصر للمقاومة الباسلة، والرحمة للشهداء الأطهار.

BDD9CC42-D4D7-458B-BAF4-3A664E21B438
BDD9CC42-D4D7-458B-BAF4-3A664E21B438
شكري بن عيسى (تونس)
شكري بن عيسى (تونس)