ما جدوى "28 نوفمبر" في مصر

ما جدوى "28 نوفمبر" في مصر

27 نوفمبر 2014

تظاهرة في الذكرى الثانية لثورة يناير (25 يناير/2013/الأناضول)

+ الخط -

تظاهرات يوم 28 نوفمبر التي دعت إليها الجبهة السلفية، أحد مكونات تحالف دعم الشرعية في مصر، تحت شعار انتفاضة الشباب المسلم ورفع المصاحف، مع التأكيد على السلمية، تثير أسئلة عديدة بشأن توقيتها ودلالتها وتوظيفها السياسي. فمن ناحية أولى، هي تؤكد أن مكونات التحالف ليست على رؤية واحدة، في ما يتعلق، ليس بأهمية قضية الشريعة، ولكن، من حيث أولوياتها، فقد تكون الأولوية، الآن، لاستعادة المسار الديمقراطي الذي قد يمهد الطريق إلى تطبيق الشريعة. لكن، يبدو أن الجبهة بدأت تضيق بالمنهج المطالب بالديمقراطية أولاً، بحيث بات الحديث عن قضيةٍ، ربما تكون بديهية، يثير علامات استفهام عديدة، بل والريبة من خصومهم، وهي قضية الشريعة قبل الشرعية، وربما يفيد هذا الخصوم السياسيين المتربصين بهم بأن القضية لدى هؤلاء ليست قضية الديمقراطية، وإنما تطبيق الشريعة، في وقت يرسم فيه الإعلام المحلي، فضلاً عن بعض ممارسات القوى التي تؤكد هويتها الإسلامية، مثل "داعش"، صورة سلبية عن المسلمين الذين يرغبون في تطبيق الشريعة. وبالتالي، فإن طرح هذه القضية في هذا التوقيت الحساس، بالذات، ربما يكون ضرره أكبر من نفعه. ولعل هذا يفسر أسباب عدم تبنّي تحالف دعم الشرعية هذه الدعوة، وهو ما يشير، كما سبق القول، إلى وجود تباينات داخل التحالف، بل عدم وجود تنسيق بين مكوناته، وهذه مشكلة كبرى.
يتعلق ثاني هذه التساؤلات بمدى التجاوب الشعبي مع هذه الدعوة، فربما، حتى كتابة هذه السطور، ليس حجم الاستجابة كبيراً، ما قد يرجع إلى عدم التفاف قوى الثورة حول هذا المطلب، ولاسيما من القوى الثورية العلمانية، بطوائفها المختلفة، كالاشتراكيين الثوريين، 6 إبريل. بل قد يزيد هذا الطرح هذه القوى تباعداً عن تحالف دعم الشرعية، لا سيما أنها قد لا تفرق بين كون هذه الدعوى صادرة عن الجبهة السلفية، ككيان مستقل، أو صادرة عن التحالف بمكوناته المختلفة، وفي القلب منه، الإخوان المسلمون، بل قد ينسف هذا الطرح مبادرة دعم التوحد التي وقعت عليها عدة قوى، عشية أحداث ذكرى محمد محمود الثالثة في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، والتي كان أهم ما جاء فيها اعتراف الجميع، بمن فيهم الإخوان، بوجود أخطاء منذ ثورة يناير، ما يستدعي التوحد لاسترداد أهداف الثورة، بما يتطلب تنسيق الجهود، إحياء لذكراها الرابعة.
ثالث هذه التساؤلات عن موقف سلطات الانقلاب من التعامل مع هذه الدعوى، ولا سيما أنها تأتي متزامنة ومصاحبة مع زيادة أعمال العنف في محافظاتٍ عديدة، وليس في سيناء فقط، إلى درجة قد يصعب معها القول إن كل هذه الأحداث من صنيعة الأمن، على غرار أحداث كنيسة القديسين في الإسكندرية 31 ديسمبر/ كانون الأول 2010. وبالتالي، بات واضحاً وجود تهديدات أمنية حقيقية، وليست مصطنعة، لدى سلطات الانقلاب من استخدام جماعات مسلحة العنفَ، وهذه قد تعترض، أساساً، على نهج التحالف في التعامل السلمي مع سلطات الانقلاب، بما يمكّن الأخيرة من توجيه مزيد من الضربات الأمنية لهؤلاء السلميين، من دون توقع أي رد عنيف منهم، ولعل هذا القلق لدى سلطات الانقلاب هو الذي يفسر أسباب التصعيد الأمني، في الآونة الأخيرة، ضد مؤيدي التحالف، إلى درجة أن وزارة الداخلية أعلنت عن خطة لاعتقال قيادات الصفين، الثاني والثالث، من "الإخوان المسلمين"، فضلاً عن اعتقال غيرهم في أحداث "محمد محمود".

ومما قد يساهم في تفسير هذا القلق لدى سلطات الانقلاب، اعتقالها القيادي في "الإخوان" والتحالف، الدكتور محمد علي بشر، الذي ربما كان همزة الوصل بصورة غير مباشرة بين الإخوان وسلطات الانقلاب، فضلاً عن كونه همزة الوصل مع الاتحاد الأوروبي، وربما كان هذا هو السبب وراء الإبقاء عليه حراً طليقاً منذ الانقلاب، فقد كانت السلطات ترغب، بحسب مصادر في التحالف و"الإخوان"، في دمج جانب من فصيل "الإخوان" في العملية السياسية، تحت مسمى حزب آخر، بخلاف حزب الحرية والعدالة، بحيث يشارك في الانتخابات البرلمانية، ويحصل على نسبة محددة "10%"، مع حصول دكتور بشر على حقيبة وزارية، فضلاً عن إطلاق سراح معتقلين بخلاف القيادات، ما قد يتيح، أولاً، تحسين صورة الانقلاب في وجه العالم، من خلال دمج فصيل من "الإخوان" في العملية السياسية، من ناحية، وإحداث شرخ داخل الإخوان من ناحية، لاسيما في ظل رفض "الإخوان" فكرة المشاركة في أي من استحقاقات خارطة الطريق. ولعل هذا أحد أسباب تفسير تأجيل موعد الانتخابات البرلمانية التي تطالب بها الأحزاب الانقلابية، حتى هذه اللحظة. لكن، عندما رفض بشر العرض، بل قام بالتوقيع على مبادرة لم الشمل، تم اعتقاله. ويعني ذلك أن المعادلة الصفرية ستكون سيدة الموقف في الفترة المقبلة.
وفي النهاية، يمكن إيجاز القول بأن توقيت الدعوة إلى 28 نوفمبر غير مناسب، في ظلال مخاوف الرأي العام من كل ما هو إسلامي، كما أن رفع قضية الهوية ربما ليس هو الأولوية، في مرحلة السعي إلى توحيد الصف الثوري، علاوة على أنها تعطي المبرر لسلطات الإنقلاب لمزيد من القمع، وتشويه الصورة لتحالف دعم الشرعية بصفة عامة، وللإخوان خصوصاً.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.