ليست "حلاوة روح"

ليست "حلاوة روح"

28 يناير 2015
+ الخط -

استمراراً للصورة النمطية للمرأة الضحية في المجتمع، التي يعيدنا إليها فيلم "حلاوة روح" من بطولة هيفاء وهبي، والذي أثير بشأنه جدل قبل عرضه، فهو، لم يقدم جديداً عن نظرة المجتمع إلى المرأة الأرملة، لكنه اشتمل على تلميحات صريحة، إن كان يقصد صنّاعه الإشارة، أيضاً، وبالقصة المكررة، إلى انحدار المجتمع، بكل فئاته، بدءاً من "رجالة الحتة"، ويقصد أهل الحارة الشعبية الذين لم تتوقف السينما المصرية عن تصويرهم بصفات الرجولة والشهامة والغيرة على الشرف.
"روح" هو اسم البطلة التي حاول الفيلم استدرار تعاطف الجمهور معها، فهي أرملة، أي امرأة ناقصة وسهلة ورخيصة، حسب قوانين المجتمع ومقاييسه. ولذلك، هي لم تسلم من الأطماع التي وصلت إلى حد اغتصابها، ليس بسبب جمالها الفاتن الذي أراد صناع الفيلم تسويق جمال هيفاء وهبي التي لا مواهب لها سوى جمالها، بل فقط لأنها امرأة منحت فرصة واحدة لتكون زوجة محترمة في عصمة رجل، وبمجرد وفاة زوجها، أصبحت سمعتها تحت الرصد، من خلال العيون والألسنة، وهذا ما تتعرض له كل مطلقة أو أرملة، بغض النظر عن جمالها ومستواه.
قبل أن تولد هيفاء وهبي، قدمت الراحلة فاتن حمامة أدواراً تعتبر علامة فارقة في السينما المصرية عن المرأة المستغلَّة، بسبب سوء ظروفها. في فيلم "الحرام"، هي زوجة فقيرة تتعرض للاغتصاب. وفي "دعاء الكروان"، هي فتاة يحاول سيدها الذي تعمل في بيته خادمة أن يغتصبها. وفي "أفواه وأرانب"، تتعرض للاستغلال من زوج شقيقتها الذي تعيش في بيته، وتعمل لتعيل عائلته الكبيرة. ولكن، في كل مرة، كانت "البطلة" تجد من يشعر بمعاناتها، وهذا أضعف الإيمان، إن لم تجد من يقف بجوارها ويساندها. ففي "الحرام"، تتحول الشجرة التي وضعت طفلها تحتها، بعد أن حملت به نتيجة اغتصابها، إلى مزار تحج إليه النسوة الراغبات في الحمل. وفي "دعاء الكروان"، تتغير نظرة "السيد" إلى آمنة، ويحبها، ويتمنى أن تصبح زوجة لا خليلة، وتظل هي في صراع بين حبها له ورغبتها في الانتقام منه، حتى يدفع حياته دفاعاً عنها. وفي "أفواه وأرانب"، وقف إلى جوارها السيد الشاب الذي عملت في حقله وبيته، وكذلك ابن شقيقتها الذي ربته، وساعدها حتى تخلصت من الاستغلال، وتزوجت "السيد" في نهاية مرضية للجمهور، فالبطلة هي الفتاة المكافحة المنحدرة من طبقته.
 إذن، ما الذي تغير في فيلم "حلاوة روح"، والتي كانت محط أطماع الجميع منذ بداية الفيلم، ولم يقف بجوارها أحد، حتى محاولة صبية الحي أن يقفوا بجوارها وحمايتها؟ فهل يعني هذا أن المجتمع المصري في انحدار، خصوصاً مع محاولة "العم زكريا" ضرير الحي، ولازمة الأحياء الشعبية في معظم الأفلام، مساعدتها، واكتشافها أطماعه فيها أيضاً.
"حلاوة روح"، ويقصد باسم الفيلم جمال الأرملة الشابة، وليس محاولة إنقاذ السينما المصرية، في الفترة الأخيرة من لحظات الاحتضار، متمسكة بحلاوة روحها التي كانت على أيدي صناع السينما العمالقة الذين أجادوا توظيف البطلة الهادئة الجمال في تقديم أفلام تتناول قضايا المرأة عموماً، كما فعلوا مع فاتن حمامة.
رغم كل الضجة التي أثيرت حول الفيلم المأخوذ عن الفيلم الإيطالي (مالينا)، ومنع عرضه، ثم إجازته بعد ذلك، ربما يُحسب له أمر واحد، إن كان يقصد بـ "روح" مصر وظروفها في الوقت الحالي، خصوصاً مع الأفيش المثير المهين، "إبراز صورة الفتى المراهق الذي يشتهي أيضاً الأرملة". ما يزيد الطين بلة أن مشاهدي هذا الفيلم الكثيرين لن يتذكّروا فاتن حمامة أمام مفاتن بطلته، هيفاء وهبي، ولن يترحموا على الفنانة الراحلة، وسيستمر تخديرهم، خصوصاً مع نجاح البطلة بالتمسك في عملها راقصة في ملهى ليلي، وتربية ابنها من هذا "العمل الشريف".

 

avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.