مراجعة الدور العربي وتنسيقه مستقبلاً

مراجعة الدور العربي وتنسيقه مستقبلاً

01 اغسطس 2014
+ الخط -

يعيش العرب، كأصحاب هوية متخيّلة جامعة، في أضعف نقطة حضارية، يمكن أن تنحدر إليها أمة لديها إمكانات هائلة، على المستويين البشري والاقتصادي، وضمير جمعي حي، لكنهم قادرون على العودة، فحركة التاريخ دائمة التغيّر، ولا تستقر على حال، مدة طويلة، إلى أن يتم استحضار شروط التحوّل الموضوعية، المؤدية إلى القطيعة بين مرحلتي الضعف والتعافي، ثم مرحلة القوة. وستكون السنوات الخمسون المقبلة مفصلية، من جانب الحكم، هل يستطيع العرب تفادي خطر الذوبان والتلاشي الحضاري أم لا؟ وإن حصل هذا التفادي، فالمنطق يقول إن المنحنى سيرتفع، بعدما تجاوز مرحلته الدنيا. مواجهة الاضطراب في البوصلة والأجندات هو أهم محدّد لتجنّب خطر الزوال، حيث نلاحظ أن العالم يتغيّر، ومنطقة الشرق الأوسط تتغيّر، إلا أن العرب لم يستفيدوا، حتى اليوم، من إيقاع التغييرات. ما يعود إلى أزمة الوعي المستمرة، وترجمتها على شكل انقسامات في قراءة الأحداث والتطورات، تنبئ عن غياب الخلفية الموحدة في التعامل مع تحديات الحاضر والمستقبل. وأكثر من ذلك، تبيّن مدى التعارض الحاصل في مصالح أجزاء ضد أجزاء، ضمن المنظومة العربية. وهذا سيؤدي إلى صدام، فنزاع، ثم محو للهوية الجامعة وللضمير الحي، ثم يليها ملءٌ للفراغ بالعصبيات والهويات الأوليّة البدائية، وحينئذٍ سيفقد العرب كلياً استقلاليتهم المعنوية وكيانهم الذاتي.
حان الوقت لمراجعة الدور العربي على المستويين الإقليمي والدولي، بتنميط التفاعل مع الحدث، بما يخدم الإطار المشترك للمصلحة العربية والأمن القومي، بمفهوم عصري للكلمة، لوضع تصوّر متكامل عن جيوبوليتيكا العرب، وكيفية تحسينها، وتحديد الخلل فيها. وهذه هي الخطوة الأولى التمهيدية للخروج من مستوى الضعف والتخلّف والتبعية للآخرين. فعندما يعرف العرب أين هم، وكيف يجب أن يكونوا، لن يستطيع أحدهم أن يصادر القرار العربي، أو أن يهمله على الأقل. والمقصود بمراجعة الدور العربي، وضع أُسسٍ لتبني مواقف معنوية وعملية تجاه القضايا والأزمات التي تهم المصلحة العربية في المنطقة والعالم، وتحديد أفضل وضع عربي ممكن، انطلاقاً منها، مقترناً بالعمل لتجسيده ميدانياً. ولا يجب أن يتم الاكتفاء بتبني مواقف منعزلة، لأن ربطها والتنسيق بينها لا يقل أهمية، وهو أصل الموضوع، ويترتب عليه إنشاء خارطة جيوسياسية عربية، موازية للخرائط المعبّرة عن المصالح الأخرى.. وسيكون لها وزنها واعتبارها في رسم ما سيحدث عند بلوغ مرحلة القوة التي تعني القدرة الكاملة على تسيير شؤون الأقطار العربية، بعيداً عن الإملاءات، ومن دون أن تُعطى أهمية بالغة لرغبات الآخرين.
ومن أهم الأمثلة الواقعية على هذا الكلام، سنذكر سورية، حيث تقتضي المصلحة القومية تغيير نظام الأسد وقيام نظام ديمقراطي تعددي، يرعى عقداً اجتماعياً تآلفياً جديداً بين المكوّنات السورية المختلفة، ويعيد سورية إلى حضنها العربي، ويقطع دابر التدخلات الإقليمية في شؤونها، ثم ينخرط في مساعٍ لاستعادة الأراضي المحتلة في هضبة الجولان. والرؤية نفسها بالنسبة للعراق. وفي مصر، لا بد أن يضغط العرب ليروا بديلاً عن المنظومة العسكرية الحاكمة التي تواصل الفشل في حل مشكلات المصريين، والفشل في الرقيّ إلى طموحاتهم. إتاحة الفرصة لحكم مدني مستقر، هي مركز ثقل المساهمة المصرية في القفزة الجيوسياسية العربية المأمولة. وعن لبنان، لا بد أن يتحرّر من انقساماته، وأن توجد بداخله دولة منسجمة، تسهم مؤسساتها في لعب دور يتناغم مع البعد العربي، إدراكاً منه لانتمائه إلى هذا العمق، بلا طائفيات، وخصوصاً أن له حدوداً حساسة مع إسرائيل، وأراضٍ محتلة، هي مزارع شبعا. والأهم من ذلك في فلسطين، يجب أن يشجع العرب الفلسطينيين على الوحدة، وعلى تجنّب المضيّ في خطوات تضعف استقلاليتهم، وتجعلهم مرتبطين بالنظرة الإسرائيلية للأمور من حولها، والتي تشكل خطراً وجودياً على الكيان العربي. فإسرائيل العدوانية تستمر في دعم الاستيطان، وعدم تقديم تنازلات لسلامٍ لا يخدمها، كما تواصل استعمال سلاحها الجيوسياسي، المتمثل في دعم الديكتاتوريات والأنظمة التقليدية، القابلة للدخول في تحالف إقليمي مع إسرائيل، ليخفّف عن هذه الأخيرة وطأة الاعتماد المطلق على أميركا، ويبعد الضغوط الداعية للإصلاح عن أهل الاستبداد. فبقاء الاستبداد مصلحة جيوسياسية إسرائيلية، أما التخلّص منه، فهو لصالح جيوبوليتيكا العرب. وممّا لا شك فيه أن إسرائيل وصلت إلى ذروة قوتها، ولا يمكن أن تتصوّر وضعاً أفضل ممّا هي عليه الآن. وبالتالي، ما سيأتي بعد ذلك كله، سيندرج ضمن مؤشرات التراجع، وبالتالي، فإن للعرب فرصة تهديد التفوّق الاقتصادي والعسكري الإسرائيلي، إذا أطلقوا ثورة ثقافية سياسية شاملة، تؤدي إلى مراجعة شاملة للدور، ليصبح الشرق الأوسط بنكهة عربية.  
 

 

المثنّى - القسم الثقافي
المثنّى - القسم الثقافي
سرحان أبو وائل
مدون مغربي.
سرحان أبو وائل