أبو جهل مسلماً

أبو جهل مسلماً

21 أكتوبر 2014

ثمة ألف "داهية" تختبئ في عقل أبي جهل(Getty)

+ الخط -

تُرى، هل كان يتعين أن يمر أربعة عشر قرناً على أبي جهل، حتى يشهر إسلامه؟

ربما ظلم التاريخ "أبا جهل"، حين فرض عليه أن يعيش في زمن سابق لهذا الزمن، وإلا لأصبح الرجل "مسلماً" بمقاييس هذا العصر. أقول لعل سوء طالع "أبي جهل" أنه عاش في زمن "اللامساومة" على المبادئ الأساسية للإسلام، وإلا لأضحى هذا المشرك "مسلماً" في زمنٍ آخر، تغيرت فيه كل المبادئ.

ما الذي كان يريده أبو جهل ليدخل الإسلام، وهو الذي كان مستعداً، في لحظةٍ ما، أن يفعل ذلك، حين حاول أن يعرض على الرسول الكريم تسوية تاريخية، لم يفشلها سوى رفضه الكفّ عن "عبادة الأصنام". واليوم، يعود أبو جهل، لكن بمتطلبات وشروط جديدة لدخول الإسلام، أبسطها "عبادة الأصنام".

يعود أبو جهل بنسخ متعددة، عدد القطريات العربية، لكن، بشخصية معدلة استفادت من تجربة جدها القديم. وفي "النسخة المعدلة"، اختار أبو جهل، باعتباره "حاكماً بأمره"، أن يدّعي الورع والتقوى، وأن يلبس لبوس الإسلام، وأن ينشئ قنوات فضائيةً، لا تكف عن بث الآيات القرآنية والأناشيد الدينية، وأن يتعهد ببناء المساجد، وأن يداوم على حضور صلوات الجمع، وأن لا يترك مناسبة دينية إلا ويقيم فيها احتفالاً مشهوداً، وأن ينظم مسابقات دينية لحفظ القرآن الكريم، وأن يبسط الإفطارات الرمضانية يومياً لكل قطاعات المجتمع.

وفي المحصلة، أصبح أبو جهل "المعدّل" مسلماً، لا يجرؤ أحد من رعيته على التشكيك بصحة إسلامه. وفي الخفاء، وفي ما "تحت السواهي"، فثمة ألف "داهية" تختبئ في عقل أبي جهل، أبسطها أنه لا يزال من ألد أعداء الإسلام، خصوصاً إذا هدد هذا الإسلام عرشه الذي لا يقايضه بعرش الإله نفسه.

وفي الخفاء أيضاً، يقف أبو جهل عدواً شرساً لأي مشروع إسلام حقيقي، يتخذ من جوهر الدين شعاراً له، لا سيما ما يتعلق منه بشؤون الحكم، وبسط تعاليم الدين في مفاصل الحياة العامة.

ولو سئل أبو جهل "المعدل"، في لحظة كشف ذاتي، عن جوهر الإسلام الذي يرضيه في هذا الزمن، لأجاب أنه يريد إسلاماً يبيح عبادة الأصنام، أولاً، لا ليعبدها هو، كما كان يفعل جده القديم، بل ليصبح هو المعبود هذه المرة، لكونه أحد الأصنام الواجب عبادتها والتمسح بها، والتسبيح بحمدها، من الرعية. ولأجاب، أيضاً، بأنه يريد إسلاماً، يبيح له الاعتراف بالكيان الصهيوني، لأنه معترف به على أرض الواقع، ولا يبتغي أكثر من مسوغ ديني لهذا الاعتراف. ولقال، كذلك، إنه يبحث عن إسلامٍ يبيح الفساد، ونهب الثروات، والاستبداد والقمع، والقطرية، ولا يدعو إلى أي نوع من الوحدة الإسلامية أو العربية، أو حتى إلى أي شكل من التعاون الصوري.

ويريد إسلاماً يسمح له بالتحالف مع الشيطان، لتقويض أي ديمقراطية عربية وليدة، تفتح عيون رعيته على "موبقات" المناداة بالحرية والعدل والمساواة. ويريد إسلاماً يسمح بإقامة أخوة دائمة مع "قبائل" واشنطن وتل أبيب ضد أي مسلم آخر، "يهذي" بأحاديث نبوية "ضعيفة" حول "كلمات الحق التي تقال عند سلطان جائر"، أو بآيات "مبتورة" من القرآن الكريم حول "الملوك الذين يخربون القرى إذا دخلوها"، وما إلى ذلك.

باختصار، يريد أبو جهل "المعدل" إسلاماً "جاهلياً" برداء التقوى والورع، فإن وجد يوماً مثل هذا النموذج فسيكون أول من يطبقه جهاراً، ويدعو إليه. وإن لم يجده، ستظل كل النماذج الإسلامية الأخرى ملعونة ومحاربة، ولا تصلح لمجتمعه "المعتدل" و"الوسطي"، أو تحت أي مسمى آخر، لا يمس "محمياته" أو "مقتنياته" من الشعب حتى "الشبشب".

بكل هذه الشروط الجديدة، دخل أبو جهل "المعدل" الإسلام. ووافقنا، فيما ظل أبو جهل القديم، بشرط واحد فقط، كافراً في أعيننا.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.