بلاد البوط المقدس

بلاد البوط المقدس

27 نوفمبر 2014

بريشة (إيربافرانجي أبايركن)

+ الخط -

قال الراوي: وقع السندباد على جزيرة غريبة، أخبارها عجيبة، أهلها يعبدون النعال، وينصبون لها السرادق، ويجعلونها رايات وبيارق، ويقيمون لها الأفراح، والسفاح والنكاح! رأى السندباد، في رحلاته الكثيرة، أقواماً تعبد البقر والكلاب والنمور والصراصير... لكنها المرة الأولى التي يرى فيها أقواماً كوافر، تعبد الحوافر. علّم الله الإنسان الأسماء كلها، وأكرمه، ونعَّمه، وجعل لرأسه عقلاً، ولقدمه نعلاً، فما بال هؤلاء المجانين، يخالفون سنة الخلق أجمعين، فحوقل واسترجع، وهلل وتضرع. طاف السندباد في المدينة، ورأى أنصاباً للبيّادة والبوط، وصيدليات تبيع النعال والجزم، أدوية للشفاء من السقم، ومطربين يقدمون للحذاء الأضاحي، ويمدحونها مدح الورد والأقاحي، حاول أن يعرف سر تلك البلاد العجيبة، وظنَّ أنّ عسكرها محاربون فرسان، فاعتكف في المكتبة، وقرأ التواريخ والمغازي، وعرف أنّ بلاد المخازي مهزومة ومدحورة، بل إنها لم تشهر سيفاً سوى على أمّتها المقهورة! وباع واشترى وتودّد إلى التجار، وحاول أن يعرف سرّ النعل المقدسة، لكن أحداً منهم لم يفتح فمه ببنت شفة، فأدرك أنهم خائفون، ويعتقدون أنّ العفاريت تخرج من النعال، وتخطفهم إلى غياهب الآبار وقيعان الأوجار. قال له أحد المواطنين الشرفاء: البيادة رمز الجيش والوطن، لكنّ السندباد لم يقتنع، فالجند فقراء مساكين، يحرسون قصور السلاطين. الأَولى بالتكريم هي الألوية والرايات، والخوَذ والعمامات، في حال صدقت الدعوى، كان على السلطان أن ينصب بطاريات النعال وصواريخ الأحذية على الحدود والخنادق، وليس في ميادين البلد والفنادق.
أشار عليه أحد الشيوخ أن يقصد الساحرة الحيزبون، أمّ أنف وثلاث عيون، فقصدها في المغارة، وعرَّفها بنفسه، وأهدى إليها أطيب البهارات والكمون، وجوزة الطيب واليانسون، ثم وضع يده في زنارها، طالباً أن تكشف له لغز الحوافر البشرية المقدسة وأسرارها، فقالت:
اعلم أيها التاجر النديم، ذو المعشر الكريم، أنّ واحداً من المواطنين الشرفاء جاءني  يطلب النجد، ويبكي بكاء من فقد الأم والولد، وكان طلبه عظيماً، وهو أن يصير ملكاً وزعيماً،  فأشفقت عليه من الغرق في بحر الدموع، وعملت له النبيذ المنقوع، فشروط الملك كثيرة، أولها أن يكون من سراة القوم، وسادتهم، وحكمائهم وقادتهم، فنظرتُ في البلورة السحرية، وأجريتُ له اختبار الأخلاق، فوجدت أنه "هشتاج" ومجهول النسب و القرعة، ومن أنذل الناس، وفاسد الأساس، فأجريتُ له اختباراً صغيراً، يصير بعدها ملكاً جليلاً، وهو أن يقبّل نعلي، فانكب عليها العلج في قبلة عاطفية محمّاة، أطول من قبلة إلهام شاهين لكريم عبد العزيز في فيلم "جنون الحياة"، فتبيّن لي أنه ابن حرام، فاتصلتُ بحلفائي من العفاريت والجان، طالبة تاج السلطان، فشرطوا عليه أن يصير ذئباً مفترساً للعباد والديار، وكلباً وفياً للعدو والأشرار، ففرح، وقال تلك غاية الغايات، ورقص طرباً مثل الغانيات، فصنعت له حذاءً سحرياً، مثل طاقية الإخفاء في الحكايات، فانتعله وداس على الدستور والرقاب، وصار ملكاً  بالسحر والإرهاب.
- لكني لا أفهم، أيتها الحيزبون، سبب تلبيتك رغبة "السندريلا" المأفون.
-أنا أمه، وهو ابني، أيها التاجر الهمام، وأدير له آلة وزارة الإعلام.
فارتعب السندباد، وقال راجياً ومداجياً: أريد أن تساعديني في المغادرة والرحيل، وأريد الفيزا،  أيتها... الموناليزا.
-فهزّت خصرها الأعجف، وصاحت: جواز السفر، يا حبة عيني هو أن تضع على رأسك البيادة.
ثم خلعت، على غفلة، ثيابها بالجملة، وقالت غامزة من طرفها الأعور: أو أن تمتهن مهنة القوادة.

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."