حلّ الحركة الإسلاميّة حلم الطغاة

حلّ الحركة الإسلاميّة حلم الطغاة

20 ديسمبر 2014

تظاهرة لأنصار حزب مسيحي في إسبانيا (14 نوفمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

من الدعوات القديمة الحديثة المتجددة، المطالبة بحل الحركات الإسلامية، وكثيراً ما ترتدي تلك الدعوات ثوب الشرعية، مهددة من اختلاف الأمة وتشرذمها، أو كونها بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ومن المدهش أنه سريعاً ما يجتمع تحت لواء الداعين لذلك أتباع ومريدون، ليصبحوا جماعة تفتقد إلى العنوان، فيطلق عليها جماعة (اللا جماعة)، ونظراً لارتدائها ثوب الشرعية فليس المجال السياسي هو المناسب للرد عليهم.

أما أن يطالب بالمطلب نفسه سياسيون بحسن أو سوء نية، بتبريرات عديدة لحل كل ما هو إسلامي، حزباً أو حتى جمعية خيرية لتوزيع الصدقات على الفقراء، فهذا يمكن مناقشة دعواه، والنظر في حججه وأسبابه، وتكمن أهم التبريرات أن إضافة لفظ إسلامي لأي حزب أو جمعية يحصر ويحتكر في ذلك الحزب أو تلك الجمعية، وكأن الآخرين (غير مسلمين)، كما أنه يضفي قدسية على شيء أرضي، لا يحتمل تلك القدسية، وأن أخطاء زعماء تلك الأحزاب وفشلهم المحتمل ينسحب تلقائياً للإسلام، ويضيف بعضهم أن الانقلاب في مصر ما كان ليحدث لولا وجود حركة الإخوان المسلمين، مع إنه من قبيل العجب أن حزبها الذي خاض الانتخابات وتقدم لرئاسة الجمهورية، لحسن الحظ، لم يشفع له عدم إلصاق الإسلامية باسمه، كما يطالب بعضهم، بل كان (حزب الحرية والعدالة).

يمكن الرد على الدعاوى السابقة بهدوء، وبافتراض حسن النية الزائدة في مَن يدعيها، فالقول إن الحركة الإسلامية تحتكر الإسلام مردود عليها، بالرجوع لمفهوم المخالفة، كما عرّفه أبو بكر الرازي بأنه (إثبات نقيض حكم المنطوق للمسكوت)، وقد فهم بعضهم من ذلك أنه إذا قلت حزباً إسلامياً فقد أثبتنا النقيض على غيره من الأحزاب. ولكن، هناك شروط لتلك القاعدة، منها كما قررها محمود شاكر (أن لا يظهر لتخصيص المنطوق وتقييده بالذكر فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت عنه، أما إذا ظهرت فائدة فلا ينطبق مفهوم المخالفة)، فلو قلنا حزب الحرية لا يعني أبداً أن باقي الأحزاب عبيد، أو الحزب الوطني فلا يقول أحد إن غيره كانت أحزاباً عميلة وخائنة للوطن، وهكذا فالحزب الإسلامي لا يعني أن غيره يفتقد ذلك.

أما القول بالقدسية فمردود عليه بأنه ادعاء لم يقل به أحد، كما أنه توجد أحزاب مسيحية في أوروبا، بل شكلت أغلبية في المجلس الأوروبي عام 2002، ومن أبرز السياسيين الأوربيين الذين ينتمون لأحزاب مسيحية مستشارة ألمانيا، أنجيلا ميركل، وهو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، ولم يقل أحد بوجوب حل الحزب أو إزالة صفته ومرجعيته بدعوى القدسية، وأن أخطاءه سوف تنسب للمسيحية، علماً أن هذا الحزب مني بفضائح مالية كبيرة عام 2000، إلا إذا كانت تلك القدسية يحتكرها الإسلام دون باقي الأديان.

ثم تأتي الشبهة الكبيرة، والتي يرددها بعض الإسلاميين أنفسهم، أن أهم أسباب انقلاب العسكر على النظام الديمقراطي في مصر، وتحويل الربيع العربي إلى خريف تكتنفه الرياح المدمرة، وجود حركة إسلامية وصلت إلى سدة الحكم، وما كان لها ذلك حتى لا تتسبب في كوارث، ولو أنها اكتفت بالمعارضة، لمر الربيع وازدهرت أوراقه. ولكن، دعونا ننظر في دول الربيع العربي، فقد تقدم الإخوان للرئاسة في مصر، فقالوا لولا تقدمهم ما انقلب العسكر عليهم، ولم يتقدموا للرئاسة في اليمن، وتوافقوا مع كل القوى السياسية، ورضوا برئيس محسوب على النظام السابق، فانقلب العسكر عليهم وسلّم البلاد إلى الحوثيين في 48 ساعة، فقالوا لماذا تركوا لهم المجال لينقلبوا؟ وحاربوا أتباع النظام السابق بالسلاح في ليبيا، فقالوا لم يستطيعوا استيعاب الآخرين واستعدوا العالم عليهم، وعندما لم يقدموا مرشحاً رئاسياً في تونس ولم يعلنوا تأييدهم لأحد، قالوا لقد أضاعوا الثورة، ومكّنوا فلول النظام السابق.

يتعدى الأمر المسميات الإسلامية إلى نقطتين، أولاهما هوية المجتمع التي يجب أن تتشكل، وأن تعبّر عن جموع الأمة، وعودة تلك الهوية مرهون على من يحمل لواءها، وبدون تلك الهوية يحدث صراع تكون نتيجته انتصار الهوية الحقيقية، ودحض المزيف أو المستورد منها، ولن يحدث ذلك من دون وجود حركات وأحزاب إسلامية، والنقطة الثانية أن ما يرعب الغرب والعسكر وجود كيانات قوية تحتك بالشعب وتحتمي به، ولا تتسول حماية الغرب من شعوبها، وتمتلك، في الوقت نفسه، قوة تنظيمية تمكنها من صد ومقاومة الاحتلال والعدوان والانقلابات مدداً طويلة وبأجيال متجددة، والتجربة المصرية، والمتمثلة في استمرار الثورة نحو ثمانية عشر شهراً، متحدية ومقاومة انقلاب العسكر بكل بطشه وظلمه، على الرغم من أن تترّسه بالسلاح والقضاء والإعلام يؤكد ذلك، وسيبقى حل التنظيمات القوية، مهما كانت أيديولوجياتها، حلماً يراود كل طاغية، خصوصاً إذا كانت تلك الأيديولوجية عقائدية، مثل الحركات الإسلامية.

72B719B0-81A2-437D-9D80-161222B65BE0
عبد العزيز مجاور

كاتب مصري، دراسات عليا في العلاقات الدولية، له كتاب "عام من الثورة المضادة"، ومقالات منشورة.