سجال مع زميل مصري

سجال مع زميل مصري

28 يناير 2015

مغاربة في مسيرة بالرباط لمناصرة للثورة المصرية (4 فبراير/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -
سألني صحافي مصري من كتيبة السيسي: كيف يتعايش الملك محمد السادس مع الإسلاميين، وقد سقطوا في دول الربيع العربي إلا في المغرب؟ أجبته: ولماذا لا يتعايش الملك مع صناديق الاقتراع ونتائجها، التي حملت الإسلاميين أو العلمانيين إلى السلطة؟ أقلب السؤال: لماذا لم يتعايش الجيش والدولة العميقة في مصر مع مرسي وإخوانه، ما دام أن الشعب اختارهم في انتخابات حرة؟
رد زميلي بانفعال: مصر دولة اختارت طريقاً آخر غير الاستماع إلى صناديق الاقتراع، ما دامت هذه تفرز قوى معادية لهوية مصر وتاريخها وطابعها المدني. دعنا في المغرب، كيف نجحت حكومة عبد الإله بنكيران في أن تنحني للعاصفة؟ كيف لم يفلح خصومها في إطاحتها مع أن المناخ في 2013 كان مواتياً. قلت: في المغرب، تعددية سياسية عمرها 60 عاماً، وتقاليد في الحكم والمعارضة لا تصل إلى حدود الاستئصال غالباً. تحرك الشارع المغربي، كما الشوارع العربية، سنة 2011، وخرجت تظاهرات في 56 مدينة وإقليماً، تطالب بالإصلاح العميق للدولة، ولنظامها السياسي الذي انزلق، في السنوات الأخيرة، إلى نوع من استبداد ناعم، حتى وصل إلى حد إنشاء حزب الدولة (الأصالة المعاصرة سنة 2009)، والإضرار بمبادرات الجالس على العرش الإصلاحية منذ مجيئه سنة 1999. عندما تحرك الشارع، استجاب الملك لأقصى المطالب الممكنة للشباب، عوض الدخول في صراع مع شعبه. ولأنه ملك، فهو مسلح بحاسة سياسية كبيرة. لهذا، عمد إلى تغيير الدستور، والتنازل عن سلطات كثيرة ورثها عن والده، وحل البرلمان والحكومة، ودعا إلى انتخابات جديدة كانت الأكثر نزاهة في تاريخ المغرب، أفرزت حكومة بنكيران، حيث حصل الإسلاميون المعتدلون على 107 مقاعد في البرلمان. بعدها، هدأ الشارع، وتراجعت المسيرات، وقبلت قطاعات واسعة من الشباب والطبقات الوسطى بالصفقة السياسية الضمنية (الإصلاح في ظل الاستقرار). وعندما انقلب الربيع العربي الذي حمل الإسلاميين إلى السلطة إلى خريف، لم يراجع الملك التزاماته، واعتبر دائماً أن وعده للمغاربة باحترام المنهجية الديمقراطية لا رجعة فيه. صحيح أن صعوبات اعترضت علاقة القصر بالحكومة، وأن سوء فهم حدث، أكثر من مرة، وجرى صراع على تأويل الدستور، لكنها حوادث جرى تجاوزها في طريق وعر.
سأل: وكيف تصرف بنكيران؟ هل سعى إلى أخونة الدولة، كما جرى عندنا؟ وهل عمد إلى استغلال الدستور الجديد لتكريس هيمنته على السلطة، كما فعل إخوان مصر؟ قلت: إذا أردت أن تفهم الحياة السياسية في المغرب، انسَ مصر مؤقتا. ليس إخوان المغرب هم إخوان مصر ولا يشبهونهم إلا قليلاً. "العدالة والتنمية" حزب ملكي وليس جماعة دينية. صحيح أن له مسحة أصولية تضعف وتقوى، بحسب الظروف، لكنه حزب محافظ سياسياً، ويعتبر نفسه جزءاً من النظام، وليس شيئاً خارجه. لم يستغل بنكيران الدستور الجديد لممارسة صلاحياته، فما بالك بممارسة صلاحيات ليست له. عندما رأى الجيش يحلق لمرسي في القاهرة عمد إلى لحيته، وحلقها بنفسه، ونهج سياسة واقعية، واتجه إلى تمتين التوافق وترسيم التطبيع مع القصر، والاهتمام بحل أكثر المشكلات تعقيداً في المغرب، وتحويل "العدالة والتنمية" من حزب إيديولوجيا إلى حزب خدمات. واتخذ بنكيران إجراءات كبيرة للحفاظ على التوازنات المالية للدولة، وعمد إلى تقليص الدعم الحكومي للمحروقات، وتضييق الخناق على الإضرابات العمالية، وهو، بصدد إصلاح صناديق المعاشات، وهذه إجراءات قاسية لم تستطع الحكومات السابقة أن تقترب منها. صحيح أن الأمور ليست سمناً على عسل بين الإسلاميين والدولة العميقة في المغرب، لكن الطرفين أصبحا يفهمان بعضهما، ويتحاوران بطرق عدة، وإذا لم تتدخل أطراف أجنبية، أو تحدث خشونة غير سياسية في الشهور المقبلة من أحد الأطراف، ستربح التجربة الديمقراطية المغربية، وأخيراً، الكلمة للشعب، ليحكم على الحكومة وأحزابها في صناديق الاقتراع.




A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.