القارة الأوروبية تخشى مواطنيها الجهاديين

القارة الأوروبية تخشى مواطنيها الجهاديين

20 سبتمبر 2014
+ الخط -
ما الذي يدفع مواطنين غربيين أجانب إلى عبور القارات والبحار، للمشاركة في أعمال العنف والحروب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في سورية؟ الأمر الذي أقلق الحكومات الغربية، باعتبار هذه الفئة تشمل مواطنين من أصول عربية، وكثيرين منحدرين من أصول غربية بالكامل، ظاهرة تحتمل خطورة كبيرة، خصوصاً بعد عودة هؤلاء المهجّنين، والمغسولة عقولهم، إلى أوطانهم، لأنّهم يمثّلون، في واقع الحال، قنابل موقوتة، ولا أحد في وسعه أن يتنبأ بمستقبل سلوكهم في المجتمعات الغربية.

وقد نشرت صحيفة بريطانية تفاصيل سيرة حياة الأخوين، نيكولا وجان – دانييل، من تولوز في فرنسا، وهما من أبوين فرنسيين كاثوليكيين، تعرّضا لأحكام سجن خفيفة لتعاطيهما الحشيش. لكن، سرعان ما تعرّفا على ناشطين إسلاميين. شاهدا مقاطع فيديو عن الجهاد في أفغانستان، وحزما أمرهما للمغادرة بحافلة إلى برشلونة، ثمّ بالطائرة إلى الدار البيضاء، ومنها إلى إسطنبول. وأفادت معلومات تالية حصل عليها والدهما بأنهما في سورية، وانخرطا في القتال في صفوف الجماعات المتطرفة، قُتل جان- دانييل في إحدى المعارك، واختفت آثار أخيه نيكولا.

"هل توجد أماكن شاغرة لمنفذّي عمليات الإعدام؟". سؤال آخر طُرح في شبكة التواصل الاجتماعي  “Ask.fm”المتمركزة في لاتفيا، والتي تسمح لروّادها بطرح كل أنواع الأسئلة، والتمتّع بخاصيّة السريّة الكاملة للأعضاء. وتستفيد المنظمات الجهادية إلى حدّ بعيد من مواقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما، لاجتذاب واستقطاب الراغبين في القتال في صفوف داعش والمنظمات المتطرفة ذات السلوك العنفي والدموي.  

وعلى الرغم من أنّ تعداد الأوروبيين الراغبين بالمشاركة في العمليات الجهادية في الشرق الأوسط ليس كبيرًا للغاية، إلا أنّ المخاطر الحقيقية تبدأ بعد عودتهم، عدا عن أن استخدام نظام بشار الأسد صورتهم وحوشاً كاسرة وفزّاعة، يثير المخاوف من اعتبار أمثالهم بديلاً مقيتاً عن نظامه العلماني، الأمر الذي باتت وسائل الإعلام الغربية تردّده في مناسبات عديدة. وقد استغلت روسيا، الحليف الاستراتيجي لنظام الأسد، هذه الظاهرة لمواجهتها، وتقديم الأسلحة للنظام السوري، آخذة في الاعتبار تجربتها القاسية مع الجهاديين في شمال القفقاس. ومع وجود تهويل إعلامي في دور الجهاديين الأجانب، إلا أنهم يبقون جزءًا من الأزمة.

ومع قلّة عددهم، شارك "المجاهدون الأوروبيون" في عدة مواجهات ومعارك، مثل حصار مدينة الرقّة والسيطرة على مطار عسكري، وبثّ الرعب في نفوس المقاتلين في الطرف الآخر. هم لا يعرفون العربية، لكن، وحسب خبراء في علم النفس، فإن تعبئتهم تتم بسهولة، بسبب الفراغ

الروحي الذي يعيشونه، وشعورهم، لاحقًا، بالتفوّق، حين يجدون أنفسهم قادرين على القتل والتدمير من دون حساب، وشعورهم بالزهو، وكأنّ هالة قدسية تحيط بهم، يشجّعهم كذلك بالمضيّ في هذا الطريق الإعجاب المرافق لمقاطع الفيديو المنشورة في وسائل الاتصال الاجتماعية الواسعة الانتشار. 

وجاء في تقرير نشرته صحيفة دير شبيغل الألمانية، أنّ التنظيمات المتطرفة لا تبذل جهودًا كبيرة لاستيعاب هذه الفئة من المتطوعين في شبكات التواصل، لأنّهم، ببساطة، يصلون إلى المدن الهادئة، ومنها مدينة أعزاز المسالمة، ثمّ يبدأون البحث عن أحد أمراء الحرب، القادر على تبنّيهم، وضمّهم إلى صفوف جيشه للمشاركة في المعارك المندلعة في سورية. وتمكّنت القرى والمدن السورية الاستفادة من هذه الظاهرة على المستوى الاقتصادي، لبيع الأسلحة والأقنعة والأعلام والرايات، وغيرها ممّا يلزم من المعدّات لخوض تجربة القتال، وأحيانًا ما ينقلب بعضهم ضدّ بعض، في حمّى المواجهة بين التنظيمات المختلفة.

جنسيات متعددة

المنظمات الأصولية عديدة، لكنّ أهمّها جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، الثانية هي الأخطر، وقد تمكنت من إثبات حضورها بالعنف الدمويّ وقطع الرؤوس، وتختلف نسبيًا عن "القاعدة"، بامتلاكها مساحة جغرافية تبسط عليها نفوذها، وتنشر فوقها إيديولوجيتها، كما تمتلك نظامًا ماليّا قويًّا وشبه مستقل، يتمثل ببيع النفط الذي تسيطر على آباره في شمال سورية، والسطو على أموال في بنوك في مناطق تفرض سيطرتها عليها، إضافة إلى المعدّات والأسلحة الجاهزة للاستخدام. ويعتبر هذان التنظيمان الحاضن الأكبر للمجاهدين القادمين من دول أوروبية. وذكرت صحيفة سيغا البلغارية في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2013 أن بيانات أجهزة الاستخبارات النرويجية تفيد بأنّ آلافاً من الأوروبيين يتوجهون إلى سورية للقتال لصالح التنظيمات الجهادية، وتؤكد بيانات مؤكدة وجود نحو 1500 مقاتل، ويقدّر عدد المقاتلين على الجبهات الأمامية من الوافدين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بنحو 400. وهو عدد يفوق المشاركين في الحروب التي شهدتها وتشهدها العراق وأفغانستان. معظمهم سرعان ما ينضمون إلى تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وتنظيم داعش، بين نحو ألفي تنظيم ينشط ويقاتل ضدّ نظام بشار الأسد.

ما تخشاه أجهزة الأمن الأوروبية، أن لا يتخلى هؤلاء "المجاهدون" عن أسلحتهم، بعد عودتهم إلى بلدانهم، فيبحثون عن أهداف جديدة، هذه المرّة في أوروبا نفسها. وحسب إحصائيات، فإن واحداً بين تسعة متورطين في القتال في المناطق الساخنة، ينخرط في أعمال إرهابية بعد العودة إلى أوروبا. ويقول الخبير الاستخباراتي النرويجي، الدكتور توماس خيغخامر، إنّ معظم المجاهدين يسعون للحصول على الشهادة، لكن هناك فترة زمنية تقدّر بعدّة سنوات بين عودة الناجين منهم إلى أوروبا وضلوعهم في أعمال دموية فوق الأراضي الأوروبية.

الشرطة الإسبانية تعتدي على شاب مسلم بشبهة الإرهاب (15يونيو/2005/أ.ف.ب)

وقد اتفقت فرنسا وبريطانيا على التنسيق والعمل المشترك لتعقب الجهاديين الذين انخرطوا في القتال مع الجماعات الجهادية ضد نظام الأسد، مشددين على اعتبار عودتهم إلى بلدانهم الأوروبية التي يحملون جنسياتها، ويقيمون على أراضيها، يشكل تهديداً جدياً للأمن الوطني لدولتيهما، وللقارة الأوروبية أجمع. وقال كاميرون "نحن قلقون من التهديد الذي شكله هذا النزاع المستمر على بلدينا". وصرح مسؤولون بريطانيون "من الممكن أن يكون هناك بريطانيون كثيرون تسللوا إلى سورية للقتال في صفوف المتطرفين الإسلاميين، ولم يتم كشف هويتهم، بسبب سهولة السفر جواً إلى تركيا، والتوجّه إلى أرض المعارك في سورية". وقال قائد وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة لندن، ريتشارد والتون، "سورية أحدثت تغييراً كبيراً في استراتيجيات كثيرة"، وأضاف "نشهد كلّ يوم مئات المتطوعين الإسلاميين الذين يذهبون إلى سورية، يتحولون، لاحقًا، إلى متطرفين خطرين للغاية، إذا لم يقتلوا في أرض المعارك". ويزداد القلق البريطاني، في الواقع، بسبب جهل الحكومة وأجهزتها الاستخبارية حقائق كثيرة، تشهدها الساحة السورية، مقارنة بالمعلومات الوفيرة بشأن الأوضاع في العراق وأفغانستان. 

هناك مناطق كثيرة في سورية غير مأهولة بالسكان، ويمكن للجماعات الإرهابية العمل والتدريب على درجة عالية، ويقول مسؤول الاتصال السياسي في مؤسسة (كويليام) البحثية في لندن، جوناثان راسل، في هذا الشأن "الأوروبيون المتجهون إلى سورية للقتال يسعون إلى توجيه رسالة إلى المسلمين الغربيين، مفادها أنّ عليهم الاهتمام بإخوتهم وأخواتهم في سورية، لأن الحكومات الليبيرالية والديمقراطية الغربية لا تفعل ذلك". وتورد تقارير استخباراتية أنّ تركيا هي وجهة جميع المتطوعين الأوروبيين للقتال ضد الأسد، حيث شكلت الجماعات الجهادية مراكز استقبال، تقوم بتجميعهم وتسهيل تسللهم عبر الحدود إلى الأراضي السورية. وقال رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الجنرال أفيف كوخاني، "هناك ثلاثة مراكز لتنظيم القاعدة في تركيا، ويمكن انتقال المقاتلين بسهولة إلى الدول الأوروبية، وعناصر التنظيم الذين يأتون من مختلف دول العالم، يدخلون سورية أسبوعيا، لكنهم لا يبقون فيها".

وكانت أنقرة قد نفت اتهاماتٍ وجهتها الولايات المتحدة ودول أوروبية لرئيس جهاز الاستخبارات التركية، حقان فيدان، بتسهيله أمر تنقّل المتطوعين القادمين من أوروبا وعبورهم إلى سورية لمحاربة الأسد في صفوف الجماعات الاسلامية وتنظيم القاعدة. وتتوفر معلومات عن استخدام (القاعدة) منازل آمنة في بلدة الريحانية الحدودية في جنوب تركيا، لاستخدامها مراكز لاستقبال المتطوعين الإسلاميين من أوروبا وغيرها، في وقت أعلنت فيه لندن اعتقال أربعة شبان في الحادية والعشرين من العمر، وقالت إنها ستسجل أسماءهم في استمارات خاصّة، وستوجه إليهم تهماً بالارهاب. وصرّح وزير الخارجية الألباني، دتمير بوشاني، كما نقل عنه الموقع الإلكتروني المقدوني (МКД) إنّ تدريب المجاهدين الأجانب وتأهيلهم يتمّ في مناطق في ألبانيا أيضًا.

وصرح الخبير في شؤون الإرهاب ومستشار البنتاغون سابقًا، ألكس ألكسييف، لصحيفة 24 ساعة البلغارية، أنّه، في الثلث الأخير من شهر أغسطس/آب الماضي، تمكّنت مجموعة من الجهاديين، عددها 60 عنصراً، من دخول الحدود البلغارية، في موكب من 15 عربة، قادمين من تركيا، ولم يخضعوا للمساءلة أوالتفتيش من أمن الحدود البلغاري، وساروا بعرباتهم في قافلة مهيبة، متوجهين إلى كوسوفو، لكن الأمن في كوسوفو سارع فوراً إلى ملاحقتهم، واعتقل 40 شخصًا، وفرّ 14 عنصراً إلى وجهات مجهولة، وبينهم ألبانيّ وآخر من البوسنة، كما تتحدث معلومات وبيانات نشرتها صحف بلغارية عن انخراط مئات من المواطنين البلغار في الحرب الدائرة في سورية، من دون توفّر تفاصيل دقيقة لتحديد هويتهم. ويذكر أنّ عملية برغاس الإرهابية التي شهدها مطار سارافوفو، على ساحل البحر الأسود، قبل سنتين، أدّت إلى مقتل ستّة سيّاح إسرائيليين وسائق الشاحنة البلغاري من أصول تركية مسلمة، وأعلنت السلطات البلغارية، أخيراً، عن هوية منفّذ العملية الإرهابية، وطالبت القضاء اللبناني بتسليمه. وكان حزب غيرب اليميني، الحاكم حتى بداية العام 2013، قد وجّه اتهامات مباشرة لحزب الله اللبناني، بتنظيم العملية وتمويلها، بالمشاركة مع مواطنين عرب، يحملون جنسيات كندية وأسترالية وأجنبية مختلفة.    

أداة إعلامية طيّعة

وقف اليمين الأوروبي المتطرّف إلى جانب النظام السوريّ علنًا، ووصف اللاجئين السوريين بأنهم هاربون من العدالة، بل ذهبت أوساطه إلى أبعد من ذلك، ووجهت تهماً لاأخلاقية ضدّهم،

باعتبارهم أكلة لحوم البشر، وهاربين من عدالة الحكومة السورية، ورمتهم بشتائم وعبارات تحقير كثيرة، كما فعلت مجدلينا تاشيفا، النائب البلغارية في الكتلة البرلمانية لحزب "أتاكا" اليميني المتطرف والداعم للنظام السوري والأجندة السياسية والاقتصادية لروسيا.

والمعلومات المتوفرة عن الأحداث الدموية في سورية شحيحة للغاية، وهذا مفهوم وطبيعي بالنسبة للحكومات الأوروبية، أخذًا بالاعتبار قلة عدد الصحفيين المهنيين الأوروبيين الذين تمكنوا من الذهاب إلى سورية لتغطية الأحداث .

وقد أثار الفيديو الذي شاهده مئات الملايين، ويحز فيه رجل يرتدي ملابس سوداء، من دون الكشف عن وجهه، ويتحدّث الإنجليزية بلكنة بريطانية، رأس الصحفي الأميركي، جيمس فولي، ليفصله عن جسده، السخط والفزع في نفوس الغربيين. وهو، في الوقت نفسه، شديد الخطورة، باعتباره مشروع إعلان مباشر للعمل في صفوف الجهاديين، للقيام بأبشع الأعمال الإجرامية، من دون حساب أو عقاب. والجلاد معروف في الجزيرة البريطانية باسم المجاهد جون، ومعروف أيضاً باسم عبد المجيد عبد الباري أو( L Jinny )  كان مطرب "راب" في غرب لندن. ليس مصادفة اختيار هذا الرجل ليقوم بالدور الرئيسيّ في عمليات قطع الرؤوس، واعتبار ذلك بمثابة رسالة موجّهة للشباب في بروكسيل وباريس وستوكهولم ولندن، المتحسمين للإثارة، ورفع معدّلات الأدرينالين للتوجّه إلى سورية. والمعروف أنّ المتطرفين البريطانيين هم الأعنف في القارة الأوروبية، وجميعنا يذكر العنف البريطاني المواكب لنهائيات مباريات كرة القدم العالمية.

ويقف المتطرفون البريطانيون في الصفوف الأمامية لتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها من التنظيمات المتطرفة، ولا يتوانون لحظة عن القتل، ومن الصعب التراجع عن شهوة القتل والتدمير حال عودتهم إلى المجتمعات الأوروبية المعاصرة، الراغبة بمزاولة الحياة الديمقراطية الآمنة، وليس مصادفة أن تتقدم جدول أعمال لقاء قمّة الناتو في ويلز في الرابع والخامس من سبتمبر/أيلول 2014 مخاطر المجاهدين في سورية والعراق.

59F18F76-C34B-48FB-9E3D-894018597D69
خيري حمدان

كاتب وصحفي فلسطيني يقيم في صوفيا. يكتب بالعربية والبلغارية. صدرت له روايات ودواوين شعرية باللغتين، وحاز جائزة أوروبية في المسرح