لا صوت يعلو على مكافحة "الإرهاب"

لا صوت يعلو على مكافحة "الإرهاب"

13 مايو 2014

عناصر من شرطة مكافحة الشغب الأردنية (إبريل 2012 أ.ف.ب)

+ الخط -
التعديل الجديد لقانون مكافحة الإرهاب في الأردن، وتمريره بسهولة، يدلان على أن المجتمع الأردني، كغيره من المجتمعات العربية، وحتى الغربية، يحكمه ذعرٌ من التطرف الديني العنفي، والذي طغى على أوجاعه الاجتماعية والاقتصادية، ويكاد يئد أحلامه التي أيقظتها الثورات العربية.

يأسر الحدث السوري مخيلة معظم الأردنيين، بغض النظر عن مواقفهم من النظام السوري نفسه، فـ"داعش" وجرائمها أحدثت حالة خوفٍ، خدمت كل الأنظمة العربية من دون استثناء: فالناس، أو معظمها، أصبحت تخاف من بديلٍ، قد يكون أقبح بكثير من الأنظمة المستبدة.

ما يغيب عن الصورة والحوار الدائر أن "داعش" ومثيلاتها، ومن سبقها ومن سيخلفها، صنائع أنظمة، مولتها أو تساهلت معها، للحفاظ على النظام العربي السائد، والحكومة الأردنية نفسها لم تكن بعيدةً عن السماح لهذه الجماعات، أو التغاضي عن بروزها، وإن لم تكن بالضرورة "داعش" نفسها.

تتكرر المسألة، وكأن كاتب السيناريو واحد؛ تدعم مخابرات عربية ودولية، بل "تصنع" مجموعات متطرفة باسم الدين، بالتغرير بشباب طحنه التهميش، أو إغراء المُترزق أو المرتزق، وما أن ينتهي دورها، أو حين تصبح عبئاً، تُسن قوانين مكافحة الإرهاب، وتستعمل هذه غطاءً لفرض الصمت والولاء وتجريم المعارضة.

حدث في أميركا، بعد عقود من نظرية بريجينسكي عن تشكيل هلال إسلامي لحصار الاتحاد السوفياتي، استحداث قانون ضد الإرهاب، ومن ثم القانون الوطني، بعد تفجيرات "11 سبتمبر"، حين وجهت هذه المجموعات نفسها نارها نحو الدول التي احتفت بها وسلحتها، في ظاهرةٍ سماها خبراء سابقون في وكالة المخابرات الأميركية "الانفجار العكسي".

الأنظمة العربية، إمّا كانت متواطئة، أو تلميذة نجيبة مطيعة، تلعب اللعبة نفسها في استعمال جماعات حقيقيةٍ، أو مخترعة، لتنفيذ مآربها، أو أهداف الأسياد، ولإيجاد حالة من الخوف، الشعبي، خصوصاً بين النخب الاجتماعية، لتَصرفها، بل وتؤلبها على المعارضة. وحدث، ويحدث، في الأنظمة العربية، نتيجة قلقٍ حقيقيٍّ من انفجار عكسي، أو لأن الفرصة سانحةٌ لوأد مطالب الانتفاضات العربية، أنه تم تشريع القمع وخرق حقوق الإنسان باسم مكافحة الإرهاب.

لا يعني ذلك أَن خطر التطرف والموجة التكفيرية ليس حقيقياً، لكن الحكومات لا تواجه حقيقة دورها في تعميق الظاهرة ونشرها، والأسوأ أنها تعيد تأطير الأزمات السياسية والاجتماعية، تحت عنوان مكافحة الإرهاب لطمس جذور التظلم والظلم.

فمشكلة معان في الأردن جرى التعامل معها، نفسياً وأمنياً، كأن المدينة بؤرة خطر يجب عزلها، على الرغم من أن المجموعات المتطرفة تزايد وجودها في المدينة الجنوبية المهمشة، تحت أعين المخابرات والأجهزة الإدارية المحلية، والتي كانت، وما تزال، تتصرف وكأن مهمتها الرئيسية إسكات الأصوات المعارضة، وليس حماية المدينة وأهاليها من التطرف، ومن العصابات التي تعمل في التهريب أو المخدرات، أو الابتزاز المالي، لأصحاب مشاريع اقتصادية، لصالح شخصيات متنفذة.

وتحت عنوان مكافحة الإرهاب، ومن خلال محكمة أمن الدولة، تم تحويل حوالي 200 حراكي، بتهم كبيرة، من تقويض النظام إلى الإرهاب، من دون ضجة بحجم الخطوة، باعتبارها خرقاً لحقوق الإنسان وللدستور الأردني نفسه، خصوصاً وأن المحكمة استثنائية، غير معترف بحكمها دولياً.

الغريب، وقد يكون ليس غريباً بل طبيعياً، أن شباب الحراك الأردني الذين قادوا المظاهرات السلمية، يجري تجريمهم، وبكل سهولة، فيما تستمر سياسات رفع الأسعار، وضرب الفئات الشعبية، وحتى شرائح من الطبقة الوسطى في معيشتها، لأن معظم الفئات الاجتماعية تختار الصمت، أو التظاهر بعدم المعرفة، خوفاً من بديل مجهول.

لا مكان لمعاناة المظلوم ولا مساحة لصرخة فقير، ولا صوت يعلو على مكافحة الإرهاب. أما إرهاب الفقر والعوز فهو مشروع، بل ومُشَرَع، ولتختف أحلام البسطاء بالعدالة، ولو بحدّها الأدنى، في ضجيج الحرب على الإرهاب.