بمناسبة عام على خطف الأب باولو

بمناسبة عام على خطف الأب باولو

01 اغسطس 2014

باولو أمام الدير الذي أقام فيه بسورية (يوليو/2007/أ.ف.ب)

+ الخط -


اكتمل، الأسبوع الجاري، عامٌ على خطف إحدى عصابات الرايات السود في سورية، الداعشية الانتساب والنزوع الإجرامي، الأب باولو دالوليو (79 عاماً)، في مدينة الرقة. وهذه مناسبة، لتجديد الدعوة، هنا، إلى تكاتف جهودٍ عربية وسورية من أجل كشف مصير هذا الرجل الجليل، وإنقاذه. وهي مناسبةٌ متجددة، أيضاً، لإعلاءِ أصوات أصحاب الضمائر الحية، من أجل تحرير كل المرتهنين المحتجزين عند "داعش" و"جبهة النصرة" وأشباحهما، ومنهم المناضلة رزان زيتونة ورفيقتها سميرة الخليل وزميلها ناظم حمادي، وكذا المطرانان يوحنا إبراهيم وبولس يازجي. وإذ ساعدت دولة قطر، وبتنسيقٍ مع سلطاتٍ لبنانية مسؤولة، وأخرى تركية، في فك أسر راهبات خطفن في معلولا، ولبنانيين احتجزوا شهوراً في أعزاز، فإن المرء يطمع في مبادراتٍ صموتة، من هذا القبيل، تُنجي هؤلاء الأسرى، وغيرهم. وفي البال أن سورية وشعبها يختطفهما نظام غاشم، تعاونه في افتراس البلاد والعباد تلك التنظيمات التي لا نعرف أيَّ وجهٍ للإسلام تنتسب إليه، وهو الدين العظيم الذي لا صلة تربطه، عقيدةً وأخلاقاً وسلوكاً، بالذي ترتكبه هذه المجموعات من جرائم قتل ونهب وإعدام ميداني وخطف.
مع اكتمال عام على تغييب حبيبنا الأب باولو، أطلق الأب الفلسطيني مانويل مسلم، الأسبوع الجاري، نداءَه إلى الغزيين الصابرين، يطلب منهم أن يرفعوا الآذان للصلوات الخمس من كنائس غزة، مع استهداف العدوان الإسرائيلي المساجد، وتدميره عشرةً منها. وقد لجأ عديدون من سكان حي الشجاعية إلى إحدى هذه الكنائس، بعد جولات قصفٍ وقتلٍ إسرائيلية دموية. وتنير غزة بهذه المأثرة الفلسطينية غزة شعلة ضافية بالضوء النبيل، وسط عتمات الطائفية والمذهبية البغيضة في مشرقنا العربي البائس، وهي مأثرةٌ تعدُّ رداً بليغاً من مسيحيي غزة البديعين على جرائم "داعش" في تهجيرها العراقيين المسيحيين في الموصل، ومصادرة منازلهم وأملاكهم. والخطير أن هذا جرى في بلد جاءت جيوش أميركا وأوروبا لتحريره من الاستبداد، ثم تُرك ناسه، وبينهم مسيحيوه، لمحدلة تمويت وتهجير وتجويع وتيئيس وتمييز مريعة، تشترك في اقترافها عصابات حاكمة ومنتخبة وأخرى مذهبية عمياء، شيعية وسنية. 
كان الأب باولو، فكَّ الله أسره، يقول إن التآخي الحضاري في منطقتنا، وفي بلاد الشام، هو ما يحصّنها ضد أي شرور. وكان في السنة الأولى للثورة السورية، يحذر من مجموعات تسيء إلى هذه الثورة التي انحاز إليها نصيراً قوياً، ما جعل النظام يطرده من سورية التي اختارها مقاماً له، قبل ثلاثين عاماً. ثم تنسّك في ديرٍ مهجور في ريف دمشق، رمّمه وأنشأ فيه مكتبة فيها بدائع كثيرة من التراثين الإسلامي والمسيحي. وكان، نجّاه الله، يرى نظام الأسد ساقطاً. وقد حظي كاتب هذه السطور بالإنصات إليه، والتعرف إلى شخصه، البالغ العذوبة الإنسانية، في مؤتمر في القاهرة، ووقع على أرطالٍ من السماحة لديه، وهو الإيطالي اليسوعي الفاتن، وعلى سوريته الدافئة. ومن جميلٍ كثيرٍ فيه، أنه دخل إلى سورية غير مرة، بعد طرده منها، وصام بعض رمضان مع بعض أهلها، وقضى أياماً في القصير وغيرها. وفي غضون وساطة كان يقوم بها بين سوريين عربٍ وأكراد، لوقف جرائم خطفٍ بينهم، تم خطفه. ثم لم ينشط الائتلاف السوري المعارض، ولا النخب السورية المثقفة، في حملةٍ دوليةٍ من أجل العمل على إنقاذه. ولا تزيّد، هنا، في الدعوة إلى أن يتبنى مثقفون عرب دعوةً إلى منحه جائزة نوبل للسلام هذا العام. الأمر الذي سيكون له بالغ الأثر والإفادة، في الإضاءة على واقع قاتم في سورية، إذ تتفشى هناك جماعات جاهلة، يستثمر نظام الأسد وجودها، في تسويق زعمه عن محاربته الإرهاب.
ننتصر للأب باولو دالوليو، هنا، وقد متّعنا الأب مانويل مسلم ببهجةٍ ثمينة، وهما الرجلان اللذان نستضيء بوداعةٍ شاسعةٍ فيهما. لنكن في مستوى البسالة التي تحلّى فيها الأب باولو، لمّا أعلن خياره أن يكون مسيحياً منخرطاً في ثورةٍ، تتطلع إلى العدالة الإنسانية، وتناهض القهر والاستبداد الأسديين، فنرفع الصوت عالياً من أجل تحريره، وتحرير مناضلين ونسّاك آخرين من قبضة هذه العصابة أو تلك.

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.