انتهى شهر العسل يا وطن

انتهى شهر العسل يا وطن

31 أكتوبر 2014
+ الخط -

بعد مرور بضعة أيام على إيداع ملف طلب الحصول على التأشيرة، لدى سلطات المملكة المتحدة في الرباط، تلقيت مكالمة هاتفية مباغتة من سيدة إنجليزية اللكنة. كنت في طريقي إلى أداء صلاة الجمعة في مسجد الحي، عندما زفّت لي، وبكل سرور، خبر الحصول على التأشيرة.

استيقظت باكراً في الصباح التالي، من أجل الذهاب إلى القنصلية، لأتسلم جواز السفر المختوم بالتأشيرة. أتذكر أن مقلتي لم تكد تذوق طعم النوم من شدة الفرح من جهة. ومن جهة أخرى، كان ينتابني قلق شديد، كلما تذكرت أنني ذاهب إلى مكانٍ، لا أعرف فيه أحداً ولا يعرفني فيه واحد.

رافقني صديق الطفولة إلى القنصلية هلعاً من أن يعترض سبيلنا عاشق الجوازات الماهر الذي كنا نسمع عنه في الأفلام، أو أن أركض فرحاً بالنصر، كما فعل أحد أصدقائي، بل في الأصل، قد تكون تلك التأشيرة هزيمة نفسية تمنى بها وأنت في مقتبل العمر. حكى لي صديق مقرب مني، التقيته فيما بعد في لندن، إنه عندما حصل على تأشيرة الذهاب إلى لندن، ركض بسرعة البرق محتفلاً بالجواز المختوم من مكان القنصلية إلى حي أكدال، والجواز بين يديه، لكنه لم يكن على علم أنه سوف يركض و"يخيط" لندن "زنقة زنقة"، بحثاً عن عمل يروي به عطشه، حتى وصل به الأمر إلى أن يكره الجري. لكن، في الأخير، لم يعترض سبيلنا عاشق الجوازات، ولم أركض فرحاً بالجواز المختوم، بل كان ذلك اليوم مرادفاً لبداية معاناة مهاجر مغربي في لندن.

ونحن مجتمعين للمرة الأخيرة حول المائدة، نتداول طعام الغداء قبل مغادرتي الوطن، كنت أحس بالدموع فوق الرموش كلما فكرت أنني حقاً مغادر البلاد والأحباب والأصدقاء.  كنت أحس بوجداني يخفق بسرعة الضوء، كلما تذكرت أنني ذاهب إلى مكان بعيد، سوف أفتقد فيه نبرات أمي الدافئة، وأفتقد فيه بشدة حضن أبي، الملتهب بالمحبة كل صباح.

كنت أحس بالهلع والخوف، كلما فكرت بأنه من المحتمل أنني سوف لن أعود. لكن، على الرغم من كل هذا الحزن الذي كان يخيم على قلبي، في تلك اللحظة، تمالكت نفسي، وأوقفت دموعي. لكن، لم أكن أدرك أن كلام أبي سوف يؤثر في نفسي، ويجعلني أجهش بالبكاء، فور انتهائه من الكلام. فكانت هذه الجملة كفيلة بإخراج ما تبقى من الدموع العالقة إلى أرض الوطن، فقال بنبرة حزينة وبنظرة أبٍ لا يصدق ما يحدث أمامه "هل أنت فعلاً ذاهب إلى الخارج، أم أننا فقط في سبات عميق، وسوف نستفيق منه قريباً". فخيم جو اِلْتِعَاج على المكان، جمعت حقائبي للرحيل، ضممتهما إلى صدري، قبلت يدهما المرة الأولى، ثم ذهبت ورجعت، للمرتين، الثانية والثالثة، فمن منا يقدر على فراق مُهجات قلبه، حتى أدركت أنني لو عدت للمرة الرابعة، سوف ينقلب بكاء المغادرة حسرة وندامة.

avata
avata
يوسف غرادي (المغرب)
يوسف غرادي (المغرب)