انتبهوا أيها السادة

انتبهوا أيها السادة

20 ديسمبر 2014

الخيال السياسي الإسرائيلي لا يتوقف عن ابتداع الخطط (Getty)

+ الخط -

عشرون سنة على المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية الشاقة، ولم تتمخض عن أي أمر حسن. إذاً، وبكل بساطة، فإن التسوية، استناداً إلى موازين القوى الحالية، غير ممكنة على الإطلاق. وللعجب، فإن الفلسطينيين ما برحوا يرددون منذ سنة 1974 أن غايتهم دولة مستقلة على الأراضي التي احتُلت في سنة 1967، على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لهذه الدولة، وأن تُحل قضية اللاجئين بحسب قرارات الشرعية الدولية. وهذا يعني أن الخيال السياسي الفلسطيني لا يعمل منذ ذلك الوقت. أما الخيال السياسي الإسرائيلي فلا يتوقف عن ابتداع الخطط وصوغ الأفكار وهندسة الرؤى المستقبلية. ولا ريب في أن هذه الخطط والأفكار والرؤى إنما تعكس مجادلاتٍ جدية في الوسط الإسرائيلي. وفي هذا الميدان، ظهرت فكرة تبادل الأراضي بين الفلسطينيين والإسرائيليين طريقة لجريان التفاهم على الحل المقبل، وتذليل معوقات التسوية.

لم يحدد المفاوض الفلسطيني ما هي الأراضي التي يمكنه أن يتخلى عنها، وما هي الأراضي التي يمكنه أن يقبلها عوضاً عن الأولى. أما الإسرائيليون فتبارى خبراؤهم في تحديد مواقع هذه الأراضي، ومساحاتها، والمشكلات القانونية التي ربما تواجه عملية التبادل. ومن بين عشرات الخطط، يتداول الاسرائيليون خطتين: الأولى، خطة أفيغدور ليبرمان زعيم حركة "إسرائيل بيتنا" التي تدعو إلى الحل القبرصي، أي إلى الفصل بين اليهود والفلسطينيين. وتتضمن هذه الخطة الموافقة على دولتين بين البحر المتوسط ونهر الأردن، على أن تُضّمَّ إلى الدولة الفلسطينية التجمعات العربية في إسرائيل، ولا سيما قرى المثلث، مثل الطيبة والطيرة وكفر قرع وكفر قاسم وأم الفحم، وتُضمَّ إلى إسرائيل، لقاء ذلك، الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية مثل معاليه أدوميم وغفعات زئيف وأريئيل وغوش عتسيون وغيرها. وعلى الفلسطينيين الذين سيبقون في إسرائيل أن يعلنوا ولاءهم للعلم الإسرائيلي وللنشيد القومي (هاتكفا)، وأن يخدموا في الجيش الإسرائيلي، ومَن يرفض يتحول إلى مقيم دائم، من غير أن يكون له حق الانتخاب والترشح إلى الانتخابات. أما الخطة الثانية، فهي خطة الجنرال غيورا آيلاند الرئيس الأسبق لقسم التخطيط في الجيش الإسرائيلي، والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، وتنص على ضم ما بين 600 و720 كلم2 من سيناء إلى قطاع غزة. وتساوي هذه المساحة نحو 12% من مساحة الضفة الغربية. ولقاء هذا الضم، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من أراضي الضفة، فتُضم إلى إسرائيل، وتشمل الكتل الاستيطانية الكبرى والقدس وواقي القدس (أو غلاف القدس). وفي مقابل الأراضي التي ستتنازل مصر عنها لقطاع غزة، ستحصل على المساحة نفسها في النقب، مع ممر بري يصلها بالأردن، ويخضع للسيادة المصرية.

على هذا الغرار، ثمة عشرات الخطط والتصورات في شأن التسوية "المقبلة"، منها خطة يائير هيرشفيلد وعتنائيل شنلر التي تلحظ نقل السيادة على المثلث العربي إلى الدولة الفلسطينية العتيدة، ومنح هذه الدولة أراضي مجاورة لقطاع غزة، مثل منطقة "حالوتسا". وباختصار، باتت فكرة تبادل الأراضي التي لم يرفضها المفاوض الفلسطيني أمراً مقبولاً لدى الطرفين، غير أن التحولات الدموية الجارية في المشرق العربي، والتفتت الفلسطيني الذي لا ينتهي، وعدم فاعلية الخيال السياسي الفلسطيني، يعرض علينا، ذلك كله، حلولاً جهنمية مثل قيام "دولة" فلسطينية في قطاع غزة مساحتها نحو ألف كلم2، و"دولة" حكم ذاتي في الضفة الغربية، مساحتها نحو خمسة آلاف كلم2، وتبقى القدس عاصمة لإسرائيل وتحت سيادتها.

في الماضي القريب، كان الكلام على تفتيت الدول العربية أمراً مثيراً للضحك. ولم يطل الزمن حتى انقسم السودان، وها هي اليمن تسير نحو الانفصال، ومصير العراق وسورية تتداوله رماح اللئام، وما ضحكنا منه يوماً، ها هو يضحك منا اليوم، فيا أيها السادة والقادة في حماس انتبهوا.