لست وصيةً على أحد

لست وصيةً على أحد

27 نوفمبر 2014
+ الخط -

كنتُ أتجول في معرض الكويت الدولي للكتاب، المقام حالياً، عندما سلمتْ علي سيدة كويتية، بصحبة أربعة من أبنائها وبناتها، أكبرهم، كما أخبرتني، طالب في سنته الجامعية الأولى، وأصغرهم تلميذة في الرابع الابتدائي. والواضح أن زيارتهم المعرض لم تكن الأولى، فقد حدثتني السيدة عن اختياراتٍ سابقة لأبنائها منه، اطلعت عليها فلم تعجبها، لأنها ترى أنها لا تناسب أعمارهم.
ماذا تقترحين لهم من كتب؟ بادرتني السيدة بسؤالها، متوسمة بي معرفة الإجابة عن السؤال، خصوصاً أنها تتابع مقالاتي، وقرأت لي كتابين أو أكثر، كما قالت، وتتابعني على "تويتر"، وترى أن لدي خبرة في القراءة، تؤهلني لنصحها، وقد غرقت في بحار من الكتب والعناوين التي تعرضها أجنحة المعرض حولنا.
لم تكن السيدة تعلم أن سؤالها من الأسئلة الصعبة التي تواجهني دائماً، وخصوصاً في أجواء معرض الكتاب. لعل كثرة كتاباتي عن الكتب، واهتماماتي المتعلقة بها، ما تشجع الآخرين على توجيه هذا السؤال لي، وطلب نصحي بشأن ما عليهم قراءته أو عدم قراءته. عادةً، أتجنب الإجابة المباشرة والمحددة. لأنني، ببساطة، لا أعرف الإجابة المباشرة والمحددة المنتظرة، أو المتوقعة، إلا أنني أضطر، أحياناً، لمحاولة الإجابة، خصوصاً إذا وجّه السؤال لي آباء وأمهات يحاولون أن يشجعوا أبناءهم على القراءة منذ سن مبكرة، ويطلبون النصح، حتى لا تذهب محاولاتهم هباء.
لم أجب السيدة عن سؤالها، بل انشغلت عنه بسؤال أبنائها عما اختاروا من كتبٍ لم تعجب والدتهم، فقال لي الشاب الجامعي إنه اختار روايتين لكاتبين كويتيين جديدين، يتابعهما على "تويتر"، ويرى مدى الإقبال الشبابي على كتابيهما، كما اختار كتابين آخريْن عن فريقه المفضل في كرة القدم "ليفربول" وعن ميكانيكا السيارات. وقالت شقيقته التي تصغره قليلاً إنها لم تختر بعد، لكنها تبحث عن كتب غادة السمان. واختارت شقيقتها ديوانين لشاعرين عامييْن شهيرين، وكتاباً عن كيفية صناعة الإكسسوارات النسائية من عقود وأساور، وهذه هوايةٌ تحبها، وتزاولها في أوقات فراغها.
لم أر بأساً في هذه الاختيارات، ولم أدر سبب انزعاج والدتهم منها، فهي مما تناسب أعمار أبنائها واهتماماتهم كما يبدو. ومن الواضح تأثير ما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي. ولأنني أثنيت على تلك الاختيارت، بل طلبت من التي اختارت كتاب صناعة الإكسسوارات أن تدلني على الجناح الذي اشترته منه، لأشتري نسخة وأهديها إلى إحدى فتيات العائلة المتيمات بالشغل اليدوي، استغربت الأم ردة فعلي المهادنة، وذكّرتني بنقدٍ قاسٍ، سبق أن كتبته في "تويتر" لما سمّيته "الهراء الروائي" الرائج، هذه الأيام، بين الشباب في الكويت، وبلغ أوج شهرته في معرض الكتاب الحالي.
ما زلت عند رأيي بهذه الكتابات التي لا أصنفها في باب الأدب، وما زلت أراها نكبة للبشر والشجر أيضاً، لكنني لا أجرؤ، أيضاً، في المقابل على المطالبة بمنع أحدٍ من الكتابة، ولا بمنع آخر من القراءة، ولا ثالث من انتقاد هذه الكتابات والقراءات، بغض النظر عن مستوى الكتابة، أو القراءة، أو النقد، فهذه من الحقوق المكفولة بالضرورة لكل الناس، وليس لأحد أن يكون وصياً على آخر في ما يختار لنفسه، ولا أن يمنع أحداً في انتقاد ذلك أيضاً.
وصيتي التي قلتها لتلك الأم المثقفة، والحريصة على تثقيف أبنائها، وتحبيبهم بالقراءة، ألّا تكون وصية عليهم في ما يختارون، وخصوصاً عندما يكونون قد وصلوا إلى سن الدراسة الجامعية، فالتجارب وتراكمها مدرستهم الأولى في الحياة وفي القراءة، ومن يبدأ تكوين ذاته ثقافياً، منذ تلك السن، لا بد، في النهاية، من أن يصل إلى ما يناسبه، من دون أن يسمح لأحد بأن يكون وصياً عليه، والأهم أنه سيصل من دون أن يفقد ثقته بنفسه، ولا حريته!

 

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.