حقوقيون يحتاجون إلى النظرة البراغماتية

حقوقيون يحتاجون إلى النظرة البراغماتية

24 نوفمبر 2014
+ الخط -

واهم من مازال يعتقد أنه، بسلاح المقاطعة، في وسعه تسجيل نقاط الهزيمة أو الضربة القاضية على الخصم، فخيار المقاطعة أعطى نتائج ملموسة في فترات زمنية معينة، ونتيجة تضافر مجموعة من الظروف. وفي وقتنا الراهن، يقول المنطق إما أن نواجه الأحداث والمتغيرات، إن كنا فعلاً قادرين على ذلك، أو أن نعلن عن انسحابنا، ما دمنا عاجزين عن فرض شروطنا في خيار المقاطعة.
فأولى الشروط التي يجب توافرها في الجبهة المقاطِعة هي توفّرها على قاعدة جماهيرية، بإمكانها أن تقلب موازين القوى، وتضغط في اتجاه تغيير قرارات ومواقف معادية لها، ولمصالحها الاستراتيجية. فهل العرب، بأحزابهم وجمعياتهم المدنية ونقاباتهم العمالية، يتوفرون على هذا الشرط؟ لا أعتقد ذلك.
فماذا حقق العرب على مدى عقود بسلاح المقاطعة؟ وماذا حققنا بمقاطعة بضائع الدول التي أساءت إلى الرسول الكريم من خلال الرسومات الكاريكاتورية والأفلام والمقالات؟ وماذا حققنا للقضية الفلسطينية بسلاح مقاطعة إسرائيل سياسياً واقتصادياً؟ وطبعاً لا علاقة لهذا السؤال بأي تلميح إلى ضرورة التطبيع مع إسرائيل، خدمة للقضية الفلسطينية، ولكنه سؤال يصرّح بوضوح، أن من راهنوا على سلاح المقاطعة لهزم إسرائيل سياسياً، كانوا واهمين، وأساؤوا للقضية الفلسطينية، أكثر مما خدموها، وهذا موضوع آخر.

وماذا ربحت الأحزاب اليسارية في أكثر من بلد عربي من مقاطعة الانتخابات، رئاسية أو تشريعية؟ لا شيء تقريباً، وما أكثر المعطيات في الواقع التي تؤكد هذا الاستنتاج.
فهل سمعتم بسقوط رئيس أو حكومة عربية نتيجة قرار أحزاب اليسار "الراديكالي" مقاطعة الانتخابات؟ الجواب طبعاً لا، وبعض الرؤساء والحكومات العربية كانوا سيظلون جاثمين على أنفاس الشعوب العربية، إلى يومنا هذا، لولا "الربيع العربي" الذي أسفرت عواصفه الأولى عن سقوط رؤساء، حولوا الأوطان إلى ملكيات خاصة لهم، ولأبنائهم والمقربين منهم.
عادت بي الذاكرة إلى كل هذه الأحداث والوقائع، وأنا أقرأ خبر قرار الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مقاطعة فعاليات المنتدى العالمي لحقوق الإنسان الذي سينظم في المغرب، أواخر الشهر الجاري.
فكيف غابت النظرة البراغماتية عن جمعيةٍ لها رصيد حقوقي ثقيل وطنياً ودولياً إلى درجة الإعلان عن عدم المشاركة في حدث حقوقي، يحظى بمتابعة إعلامية دولية واسعة؟ فمهما كانت أسباب المقاطعة، كان الأجدر أن تشارك الجمعية في المنتدى، للدفاع عن مواقفها بالأرقام والمعطيات، فيما يخص الوضع الحقوقي في المغرب، على الرغم من وجود روايات رسمية تقول العكس، ولكي تصرخ بأعلى صوتها عن معنى أن تتعرض للتضييق والمنع في بلد المنتدى العالمي لحقوق الإنسان.
للأسف، ضربت الجمعية كل هذا بعرض الحائط، وقررت أن تغيب نفسها عن المنتدى، تحت مبررات واهية، تعود إلى زمن غابر، تاركة المجال شاسعاً إلى أطراف تتقن جيداً لعبة تبييض الوجه الحقوقي المغربي وتلميعه.

EE5BF85B-B5BE-45D1-99C0-1F89EAA1C9F3
EE5BF85B-B5BE-45D1-99C0-1F89EAA1C9F3
جمال العبيد (المغرب)
جمال العبيد (المغرب)