حكاية اسمها الإنسانيّة

حكاية اسمها الإنسانيّة

01 سبتمبر 2014
+ الخط -


جاءت الفرص المتوالية التي اتّسمت بالتحزّب والتناحر الفكري، وربما الإقصاء القسري غير الطوعي لفصيل ديني أو سياسي دون الآخر، سانحة لطرق موضوع يعدّ، في هذه الآونة حصرياً في مصر، وهو التنوع الثقافي. فالمشهد المصري الحالي يشير إلى وجود حقوق معرفية متنوعة، تبعاً لتعدّد روافدها ومصادرها، إلا أن هناك ثمة حالة واحدة في تلقي هذه الطروحات الفكرية، على الرغم من تعدد المشارب والمذاهب، وأصبح لدى المصريين جميعاً بغير استثناء خوف مرضي تجاه الآخر، في وقت يمارس فيه البربريون الجدد مزاعم دول افتراضية وحكومات نظرية، لا تتّفق مع سياق الواقع المشهود.

وبات من الأحرى، اليوم، تعزيز فكرة التسامح مع الآخر، المتنوّع ثقافياً والمختلف أيديولوجياً، لأن تعزيز التسامح يخلق تعايشاً مع الثقافات المختلفة، من أجل إرساء حوار فعال منتج، يستهدف تنوير العقل.

والذين يعضدون فكرة النعرات الثقافية، ويأبون التنوّع، فإن رائد علم التنوع الاجتماعي، تزيفتان تودوروف، يخبرنا جميعاً بحقيقة اجتماعية مفادها بأن كل فرد متعدّد الثقافة، وأن الإنسان يولد في حضن الثقافة، لا أحضان الطبيعة، ونتّفق في ذلك، ونؤكد أننا لا نمتلك هوية ثقافية واحدة، بل هويات متعددة، وكم هو محزن أن ينتمي مصريون، لا سيما المثقفين منهم، إلى حضارة الثقافات الميتة التي هي سكونية غير متحركة، ولا يكلّفون أنفسهم مشقة التعرّف إلى الآخر. وهؤلاء المثقفون هم أكثر الناس احتياجاً إلى إعادة تأهيل وتدريب، لقبول التنوّع الثقافي. وهذا ليس افتراءً محضاً، لكن الواضح منذ اشتعال ثورة 25 يناير، أن دور المثقفين نحو تعزيز قيم التنوع الثقافي بدا متقاعساً. ليس هذا فحسب، بل هم يعانون، بالفعل، من وجود نعرات استعلائية نحو ثقافات الآخر، وأصبحت القضية الحصرية لديهم هي: نحن وهم، بدلاً من أن يعلو شعار: معاً. لكن، يبدو أن المثقفين حقاً ما يزالوا يتنعّمون في أبراجهم العاجية، ملتحفين بأفكار انتهت صلاحيتها.

ويبقى السؤال المطروح: متى يتحوّل الوطن إلى حقول فاعلة للمعرفة المتعددة وللتنوع الثقافي؟ الإجابة ليست مجرد إجراءاتٍ يمكن ممارستها من أجل قبول التنوع الثقافي، بل كنه السؤال نفسه يضمن لنا إجابة شافية عنه.

avata
avata
بليغ حمدي إسماعيل (مصر)
بليغ حمدي إسماعيل (مصر)