أكتب من سجن ليمان: عن عيد ميلادي

أكتب من سجن ليمان: عن عيد ميلادي

24 نوفمبر 2014

محمد سلطان متحدثاً في إحدى جلسات محاكمته (إنترنت)

+ الخط -

لأول مرة في تدريبات ما قبل موسم كرة السلة، وصلتُ إلى التدريب متأخراً. كنتُ قد التحقت بالفريق الثاني، على الرغم من أن جميع أصدقائي قبلوا في الفريق الأول. لم أبالِ، وكنت فرحاً بقبولي في أي فريق. كان وزني آنئذٍ 153 كيلوجراماً، وكنت في الصف الثالث من الثانوية العامة. في ذلك اليوم، نظر إليّ المدرب "سلابي"، ولم يعطني فرصةً أبرر له سبب تأخري، أشار إليّ بسبابته يأمرني بالجري حول الملعب، فهمت أنه العقاب على التأخير، ولكن، ما لم أفهمها إشارته باستكمال الجري، كلما سألته عن عدد اللفات المتبقية.

في ذلك اليوم، شعرت بأنني تلقيت أسوأ عقاب ممكن، فقد كان بإمكاني الاستمرار في الجري، حتى ولو وصل إلى مائة مرة، لو كان فقط قد حدد لي عدد اللفات، لكن العقاب النفسي كان لي بمثابة ما يقترب من التعذيب البدني. ركضت حول الملعب ذلك اليوم 29 لفة، وكل منها كانت وكأنها آخرها. وما أن تذكر المدرب "سلابي" توقيفي، كنت قد أرهقت نفسياً وجسدياً.

بعد عشرة أعوام، وفقدان أكثر من سبعين كيلوجراماً، أتذكر تلك القصة في عيد ميلادي السابع والعشرين، والثاني لي في السجن، وفي اليوم الـ290 من إضرابي عن الطعام. أجلس تحت الأرض في سجن مصري قاسٍ، أتذكر ذلك الموسم وعلاقته بحالي الآن. فقدت إحساسي بالجوع. أغيب عن الوعي بين فينة وأخرى، أقوم وأجد كدمات وفماً مليئاً بالدماء، مع آلام جسدية، أصبحت يومية، فقد صار جسدي فاقداً للإحساس، وهو يأكل نفسه بنفسه. ولكن، لا تساوي تلك الآلام شيئاً بجانب التعذيب النفسي الذي أتعرض له في أثناء اعتقالي التعسفي (تحت قانون الحبس الاحتياطي المفتوح). هذا الكابوس الكئيب المظلم، والذي حلّ بي فجأة ولا أعلم كيف، ولا كم سيدوم، ولا متى أو كيف سينتهي؟ شعور أشد من عقاب المدرب "سلابي"، لكنه مماثل؛ إجهاض جسدي ونفسي. لا أعلم كم سيمتد هذا "العقاب"، فكل يوم يبدو وكأنه الأخير.. بطيء.. موجع..

وعندما تذرف دموعي النادرة في ذكرى موسم كرة السلة ذاك، بدأت أتذكر. في ذلك العام، تركت تدخين الشيشة، خسرت 25 كيلوجراماً من وزني، عملت بجهدٍ مضاعف في كل تدريب، وتدرجت من عضوٍ في الفريق الثاني إلى اللاعب السادس، ثم إلى أحد الخمسة الذين يبدأون المباراة. في نهاية ذلك العام، كنت عضواً في الفريق الأول مع زملائي.

لاحظت أنه في ذلك اليوم الذي قرر المدرب "سلابي" معاقبتي، أراد اختبار قواي العقلية، وقوتي الكامنة، وما إذا كان لي قلب قوي للعب. استمر تدريبي في ذلك الموسم، وقد تم تحولي، بلا شك، إلى لاعب كرة سلة أفضل. خلال هذا العام، زادت قواي العقلية من خلال هذه الاختبارات، لأنني وثقت في أن المدرب يريد أن يجعل مني أفضل لاعب.

لم أستطع حجب دموعي التي انهمرت على وجهي الذي صار جلداً على عظم، عندما فكرت في عجزي عن الثقة في الله، كما وثقت في المدرب سلابي. بالطبع، لا توجد مقارنة، فاختباري، الآن، أعظم وآلامه أشد. ولكن، كما أخرجني الاختبار الأول أكثر صلابة وقوة، فأنا على ثقة بأن هذا الاختبار سيقويني أيضاً. وكما أنني كنت أُهيأ لأكون أفضل لاعب كرة سلة، فالله يهيئني، الآن، لأزداد صلابة وحكمة، لأكون قائداً أفضل وفعّالاً، ومؤيداً أقوى للحرية والسلام.

كم أصبحت الآن كلمات مدربي أكثر فهماً واستيعاباً: "اكره كل لحظة تدريب، ولكن اعشق واستمتع بكل لحظة انتصار".

شعاع من أمل لمس قلبي، ذلك ما تفعله بنا أعياد ميلادنا، ذكرى أحداث، عام جديد، إلخ. هي تلهمنا بذكريات، أفكار، ومشاعر الماضي حول غايات، أولويات، تخطيطات، المستقبل والأمل. مسحت دموعي، وعند بدئي لقيام الليل، لأشكر الله على كل نعمه، تبسّمت عندما تذكرت ما قلته لنفسي في ذلك اليوم قبل عشرة أعوام في اللفة الـ29 ".. إن لهذه نهاية".
______________________________________________

*معتقل سياسي مصري، كتب النص في سجن ليمان

D97DB319-D618-435C-9B13-55C7150DC6B0
محمد سلطان

ناشط سياسي مصري