"حماس" والفتح الأوروبي

"حماس" والفتح الأوروبي

20 ديسمبر 2014

عنصر من كتائب القسام في تمرين في غزة (ديسمبر/2014/Getty)

+ الخط -
لم يكن القرار الأوروبي رفع حركة حماس عن قائمة المنظمات الإرهابية سوى حلقة من مسلسل مساعي الحركة التي بدأت منذ أعوام، وتحديداً منذ نجاحها في الانتخابات النيابية، التي أتاحت لها تولي رئاسة الوزراء الفلسطينية فترة من الزمن، غير أنها لم تستمر طويلاً لينحسر حكمها إلى قطاع غزة. منذ البداية، أبدت "حماس" قدراً كبيراً من البراغماتية في التعاطي مع مسألة الحكم، وأبرزت قدراً من القدرة على التكيف مع الوضع الجديد الذي وجدت نفسها فيه، أو أرادته لنفسها. ولو أتيح للحركة المضي في حكمها من دون منغصات، لكان وضعها اليوم مختلفاً، ولتم تجنيب القضية الفلسطينية عموماً ويلاتٍ كثيرة عاشتها في السنوات الأخيرة.
منذ اليوم الأول، طلبت "حماس" الفرصة لتثبت قدرتها على التكيّف مع الظروف الجديدة، لكنها لم تنلها، وجوبهت بمساعٍ لإسقاط حكمها، من الداخل الفلسطيني المتمثل بالسلطة وكوادر "فتح"، أو من الخارج الإسرائيلي والأميركي، وبعض العربي، الذي رأى في صعود "حماس" إلى الحكم خطراً، لا بد من تداركه سريعاً. الأصوات التي كانت تطالب بالتريث في التعاطي مع الحركة لم تلق صداها، حتى حين تحدّثت أن الوقت كفيل بأن يجعل من "حماس" حركة "فتح" جديدة، في إشارة إلى التحولات التي مرت بها حركة التحرر الوطني الفلسطيني، منذ ما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وصولاً إلى توقيع اتفاقيات أوسلو، والتي انتهت عملياً إلى "تدجين" الحركة في حظيرة المجتمع الدولي والاتفاقيات الدولية.
هذه الأصوات، وبعد ردح قليل من الزمن، أثبتت أنها كانت على حق، وأن التحول في "حماس" ممكن إذا أتيحت له الفرصة. وهي الفرصة التي أتت مع الثورات العربية، وتبدل الموقف الدولي، برهة من الزمن، تجاه جماعة الإخوان المسلمين التي تعد الحركة الذراع الفلسطينية لها. الأمر بدأ مع الحكم الإخواني في مصر، الذي أخذ على عاتقه، منذ عدوان 2012 على قطاع غزة، إعادة ترويج حماس على المستوى الدولي، وهو الأمر الذي نجح فيه عملياً، وتم فتح خطوط سرية وعلنية بين "حماس" والولايات المتحدة التي دار حديث فيها عن إعادة النظر في تصنيفها الحركة الإسلامية.
لكن، لم تمض الأمور، أيضاً، في مسارها الطبيعي، وجاء الانقلاب في مصر والحملة العربية على جماعة "الإخوان المسلمين" لتوقف عملية التطبيع بين "حماس" والغرب، أو على الأقل تجميدها، إلى أن خرج، الأسبوع الماضي، القرار الأوروبي برفع الحركة عن قائمة المنظمات الإرهابية. قرار هو حصيلة سنوات من المساعي وحسن النيات التي أبدتها الحركة، في مراحل متفرقة من التحولات التي مرت بها، بعد وصولها إلى الحكم.
ما بعد القرار الأوروبي، بالنسبة إلى "حماس"، بالتأكيد لن يكون مثل ما قبله، خصوصاً أن الحركة بحاجة إلى غطاء "الشرعية الدولية" في صراعها الداخلي مع حركة فتح على الحكم وكعكة إعادة الإعمار التي ترى فيها "حماس" بوابة استعادة الشعبية التي أوصلتها إلى السلطة بالدرجة الأولى. بدأت "حماس"، اليوم، تقطف ثمار استراتيجية طويلة الأمد، وهي، بالتالي، لن تفرط بهذا المكسب بسهولة، بل قد تكون منفتحة على مزيد من البراغماتية التي تؤهلها لكسب الاعتراف الدولي، في حال استطاعت الوصول، مجدداً، إلى الحكم في أي انتخابات فلسطينية مقبلة، وهو ما قد يثير حفيظة "شركاء الداخل".
قد يكون القرار الأوروبي بداية لـ "حماس" جديدة، تظهر تحولاتها تباعاً في المراحل المقبلة. تحولات قد تثبت صدق النبوءات السابقة بأن للحركة قدرة على التكيّف مع متطلبات المراحل كافة. تكيّف قد يحتاج إلى مزيد من البراغماتية، لنيل مزيد من الاعترافات، تؤهل لظهور "حماس السلطة".
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".