أدب الثورات

أدب الثورات

27 نوفمبر 2014
+ الخط -

أثبتت التجربة التاريخية أن للثورات دوراً بارزاً في تحفيز الطاقات الإبداعية، لتخرج من مناخاتها وتفاعلاتها الإنسانية والسياسية والفكرية أعمال عديدة، فلكل ثورة أدباؤها، ولكل حدث بديع في تاريخ الإنسانية من يشتغلون على تدوينه، بشتى الوسائل المتاحة، حتى يخلد ويبقى إرثاً لا تطاله أيادي التقادم. كالروائيين العالميين، تولستوي ومكسيم غوركي، حيث مهد الأول للثورة البلشفية الروسية، وأستغرق الأخير في تأريخها أدبياً، وعلى الصعيد العربي، أبدع نجيب محفوظ تفاعلات المجتمع المصري لثورة (1919) وثورة (1952) وواكب تطوراتهما وتأثيراتهما المختلفة.
فيما عمت المظاهرات المطالبة بالحرية عواصم عربية، مبشرة بثورات أطاحت أنظمة عديدة، ظهرت بعض من تجليات هذه الثورات في الشعارات التي كان الشباب الثائر يبدع في تأليفها، واللوحات المحمولة والجدارية التي عكست عمق الإبداع الفني والأدبي لشريحة الشباب، بالإضافة إلى الأغاني التي كانت تردد في المظاهرات التي اتخذ بعضها طابع السخرية والتهكم، واتخذ بعضها الآخر طابعاً حزيناً، نقل عمق وبؤس معاناة هذه الشعوب في ظل الأنظمة الحاكمة، كما تفجرت طاقات الشباب الإبداعية على مواقع التواصل الاجتماعي في كتابات، منها الشعري والروائي والفكري والسياسي والتاريخي، فمن حسنات هذه الثورات أنها كشفت مدى اهتمام شريحة كبيرة من الشباب بالأدب، بالإضافة إلى توفر الخميرة الإنسانية الضرورية، لثورة أدبية في المستقبل القريب.

فمن الواضح أن الثورات العربية ستنتج نوعاً مغايراً من الأدب، بمفاهيم ورؤى جديدة تتناسب مع المطالب التي أخرجت الجماهير عن صمتها، والمتمثلة بكسر القيود والتحرر منها، كذلك لابد أن يظهر تأثير تلك الثورات إيجابياً، لأنها حررت المجتمع من خوفه، وكشفت الزيف والخداع اللامتناهي الذي كانت تحياه الشعوب، وكشفت وجوهاً كثيرة فاسدة، وأسقطت كثيرين على المستوى الثقافي، التحقوا بركب الطغاة، عبر انتمائهم للمؤسسات التي حاولت السلطة احتواءهم من خلالها، والتي عملوا من خلالها على تجسيد فكر الطغاة بتسخير الثقافة والأدب والإبداع، لصالح هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على أحلام الشعوب ومصائرها. فغياب الأدب والفن كان واضحاً في المشهد العربي أخيراً، لأنه نسي رسالته الإنسانية، وربط نفسه بالأنظمة الديكتاتورية التي سترحل، عاجلاً أم أجلاً، وتترك له تركة ثقيلة ووزر الدماء التي أراقتها في ظل تأييده لها طوال سنوات حكمها.
ويرى بعضهم أن هذه الطاقات الإبداعية للشباب ظرفية، ستفنى بانتفاء الظروف التي ولدتها الثورة، وعودة الشباب الذي وجد في الثورة متنفساً له، إلى روتين حياته اليومية، بعد انتهاء أو انتصار الثورة التي فجرت طاقاته. لكن، في الحقيقة لا أحد يستطيع الحكم على مستقبل الشباب المبدع، في مرحلة ما بعد الثورة، لأن الأمر يحتاج مزيداً من الوقت، كون الثورة لم تنته بعد، وأن أفكارها ورؤاها لا تزال في طور التكوين، وستخرج من مخاضها أعمال كثيرة، ستنقل آلام الشعوب المقهورة، والتي لن تزول من ذاكرة الشعوب. لذا، ستثري الثورة الأدب بأعمال كثيرة، ريثما يتم تصنيفها  لاحقاً من الاستقرار الاجتماعي، فالمسألة تحتاج إلى وقت، لأن الثورة ماتزال قائمة، وتفاعلاتها في الشارع، ودورها في إعادة رسم هيكلية جديدة للأدب في المجتمع العربي، ما ينقلنا سريعاً إلى ضرورة أن يتحول الأدب نحو البحث عن رؤية مستقبلية للمجتمع، بدلاً من الحرص على كتابة أعمال تجسد عمق الثورة وعمق آلام التجربة التي مثلتها للشعوب المقهورة.

avata
avata
آشور دياب (سورية)
آشور دياب (سورية)