في الديمقراطية والشورى..

في الديمقراطية والشورى..

23 أكتوبر 2014
+ الخط -

منذ انفتح هذا الشرق على أوروبا ثقافياً في القرن التاسع عشر، اصطدمت النخبة المثقفة عندنا بمفاهيم ومفردات كثيرة، جعلت التوفيقيين منهم يجنحون إلى محاولة إيجاد مفردات توازيها، أو تقاربها في القاموس الإسلامي. ومن هنا، وبهذا الفهم، جاءت "الشورى" بديلاً عن الديمقراطية، إذ أصبح بعضهم يستنكف استخدام تعبير "الديمقراطية"، ويعتبر كلمة "الشورى" أكثر تعبيراً عن المعنى المنشود.

جاء في القرآن الكريم، ذكر الشورى في سياقين، علينا ألا نغفلهما. يقول تعالى "وشاورهم في الأمر" (آل عمران، الآية 159)، وأيضاً "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى، الآية 38). المعنى اللغوي من كلمة شورى، مثل سياق الآيتين الكريمتين، لا يسمح ببناء تصور دقيق عن الحكم كما يجب أن يكون إسلامياً. الشورى لغةً من "شرى" أي: أخذَ، والمثال التي تأتي به المعاجم في شرح المعنى، ويعتبره المفسرون كذلك، هو قول العرب: شرت العسل: أخذته من مأخذه، ومنه شاورتُ فلاناً، أي أخذتُ ما عندي وما عندهُ من رأي ووجهة نظر. إذن، الشورى هي أخذ الرأي ووجهة النظر من مأخذها، أي ممن هو أهل لذلك. وهذا ما لم يأتِ به بيان، أو تحديد، أو ضبط. إذن، الشورى، في الحقيقة، هي أخذ النصح، وهو ما لا يلزم الحاكم من أمره في شيء، فهي غير ملزمة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى غير مضبوطة أيضاً من باب: من هم الذين تؤخَذ منهم الشورى؟ فهم غير محددين، ولا محصورين، يجتمعون على تعبير "أهل الحل والعقد"، وأهل الحل والعقد هم كل من كان له سلطة اجتماعية (قبلية) أو اقتصادية أو دينية. لكن، من دون أن يتحدّد لا الكم ولا الكيف ولا الجهة ولا الزمن.

أما في سياق الآيتين، الأمر هنا لا يعني الوجوب، ونفهم ذلك عند قول مفسرين في معنى قوله تعالى: "فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر": إذ المخاطب هو النبي وضمير الجمع يعود إلى المسلمين بعد هزيمتهم في واقعة أُحُد، نقرأ: "فاعف عنهم": أي ما كان منهم يوم أحد مما يختصّ بك، "واستغفر لهم": فيما يختصّ بحق الله إتماماً للشفقة عليهم، "وشاورهم في الأمر": أي في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي، تطييباً لنفوسهم وترويحاً لقلوبهم، ورفعاً لأقدارهم.

وفيما يخصّ سياق الآية الثانية "وأمرهم شورى بينهم"، الحديث يدور هنا حول خصال الذين آمنوا عموماً، وليس عن الحاكم على وجه الاختصاص، أي أنّ "الشورى" فضيلة للمؤمنين، فالخير للمؤمن أن يستشير إخوته في أمره، وأن يسمع نصائحهم. ولكن الأخذ بالنصح والمشورة أمر غير واجب، وغير ملزم ألبتة. وهكذا، على الحاكم أن يستشير من هم في أهل الحل والعقد، وهو حرٌّ إن أخذ برأيهم، أم لم يأخذ. وهم، أي أهل الشورى، لا يتحملون أي مسؤولية لأخطاء الحاكم، حتى لو عمل ما أشاروا به عليه. وفي المقابل، الحاكم غير مسؤول أمام أهل الشورى. وحتى مباحث الفقهاء في الخلافة، لا تأتي بذكر مسألة الشورى، لا من قريب ولا من بعيد، وليس منهم أحد جعلها شرطاً واجباً للخلافة.

الديمقراطية مساحة، والشورى مساحة تعبيرية أخرى تماماً. ضمن التصوّر الإسلامي للشورى، مسؤولية الخليفة تكون أمام الله فقط، لا أمام من بايعوه، ونصّبوه طوعاً أحياناً، أو مرغمين ومكرهين أحياناً أخرى، والعقد بينهم هو الحكم بما أمر الله، وليس فيما أنزل الله ما يلزم العمل برأي الناس، لا عامتهم ولا خاصتهم.

avata
avata
محمد الصالحي (الأردن)
محمد الصالحي (الأردن)