يومٌ في جوار الجوهرةِ الزرقاء

يومٌ في جوار الجوهرةِ الزرقاء

01 سبتمبر 2014
+ الخط -

بطن الحوت:

لم يسعني غير الأبيض المتوسط لألقي فيه بسواد داعش التي أبت إلا أن تخرج أعناقها من تخلّفنا الحضاري الفظيع. قرّرتُ، صباح هذا اليوم الصيفي، أن أقطع رقبة داعشيتي، ولكلّ مسلم أن يفعل بداعشيته ما يشاء، فانحدرتُ عبر جنان سهل تريفة صوب الجوهرة الزرقاء؛ ومن أسمائها أيضاً السعيدية، إن استثقلنا عسكرية قصبة عجرود.

هنا أيضاً، وفي كل مرابع المغرب الصوفي العميق، وفي كل مزارعه الروحية، حيث تنبت الحكمة الدينية المغربية، يمكن التطهّر من بروتوكولات الفقه السري للأمراء الدمويين. وعلى الرغم من عدم صوفيتي، تمنيتُ لو زار هذه المرابع كل شاب به مسّ من الداعشية. على الأقل، كآخر محطة قبل العبور إلى الجريمة الدينية. ليس في النور الإلهي ثقوباً سوداء كالتي في السماء. ولن تخطئ هذا النور من أيِّ مسلكٍ آمنٍ أتيته، ولن تعرج إليه على متن النصوص الدينية فقط.

أيها الشباب، لم يكلّفكم أحد بأن تقفوا على أبواب الجنة جمركيين، لله الأمر من قبل ومن بعد. لا لا، لن أختار لك يا داعشيتي غير بطن الحوت، حتى لا تنبت لك رؤوس أبداً.

الجزائر العسكرية لا تَسْبح:

إذا كنت تبحث عن سوريالية طبوغرافية، تُكشّر فيها ضفةُ الوادي في وجه الضفة الأخرى الباسمة، فضالّتك في "بِينْ لَجْرَافْ"، حيث تتناثر يمين الداخل إلى الجوهرة الزرقاء، ثكنات الجيش الشعبي، القديمة والحديثة. زِينةُ أحد الجرفين، عن يمين الداخل، عبارة جِيرية ببنطٍ عريض موجّهة للمغاربة: "الجزائر أولاً، دائماً وأبداً".

يجيب سيلُ السيارات المغربية المنحدرة صوب الرمال الذهبية: اليومَ بحر وغداً أمر. ذكرى ثورة واشتراكية آلت إلى جُرفٍ هارٍ، وإلى درجة ما في سلّم استغباء الشعوب.

تكاد لا تعثر في الضفة المغربية للوادي على حضور بارز للجيش الملكي. ليس تهاوناً ولا تهوّراً، بل ثقة في النفس وفي التاريخ والجغرافيا. حتى الطماطم الجزائرية تصل عروقها إلى الضفة المغربية، فكيف بعروق الأشجار؟

وعلى الرغم من هذا، الجيش الشعبي موجود هنا لغير الطماطم، ولغير السباحة.

سفن تصل إلى تازة:

أعود، الآن، أَزْيَد من قرن إلى الوراء، وبالضبط إلى سنة 1905، حيث حل القبطان الفرنسي، غيوم، في مركز حراسة واد كيس، على رأس فرقة عسكرية. لم يَكفَّ قلم هذا القبطان الأديب، طوال شهور رئاسته المركز، عن تدوين أدق التفاصيل اليومية.

لا أذكر أنني، حينما شرعت في قراءة كتابه، استطعت أن أتجاوزه إلى غيره، فهو بحق، مصدر غني، عسكرياً وإنسانياً، لكل مَن يبحث في موضوع الحدود المغربية ـ الجزائرية، تحت الاحتلال الفرنسي خصوصاً. والمنطقة التي يغطيها الكاتب، هي مركز واد كيس، أحفير(مارتنبري)، وللامغنية.

خلافاً لضباط الجيش الشعبي، واعتقادي أنهم، كمعظم ضباطنا، لا يكتبون، ربطت القبطان غيوم علاقات بحرية وإنسانية عميقة مع الشطر المغربي من الرمال الذهبية، ومع المحزن المغربي بقصبة عجرود، ومع ساكنة الجوار من المغاربة في الضفتين، وعلى قمتي الجبلين. وزاد على هذا بوضع خبرته الطبية المتواضعة رهن طلب كل مَن يحتاج إليها، بمَن فيهم الجرحى من قطّاع الطرق واللصوص. 

ولم يكن غيوم يمانع حينما يدعوه قائد القبيلة إلى مأدبة يحتفي فيها بالأعيان والعسكر من الجانبين. حميمية هذه المآدب، كانت تنسيه عناء الصعود من السافلة إلى القمة. كلما نظرت إلى قمة الجبل الجزائرية، سابحاً، مغافلاً أمواج البحر، إلا وتساءلت: هل تعرف ساكنة القمة أنها مغربية، وهل لا تزال تسمع فؤوس الأسلاف، وهي تهدّ الجبل هذا؟ 

تُرى، هل يمكن أن تُبعث روح القبطان، لترى كيف حافظ الصخر فقط على تماسكه، وتشتّت الإنسان في جبل عرف كيف يزرعه شعراً، ويهيم بين قوافيه وفيافيه عاشقاً؟

6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
6996357D-3338-414E-930A-F84D47A65269
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)
رمضان مصباح الإدريسي (المغرب)