النباتات البريّة رزقُ الفلسطينيين شتاءً

النباتات البريّة رزقُ الفلسطينيين شتاءً

31 يناير 2015
لا تخلو المائدة الفلسطينية من النباتات البرية (إسراء غوراني)
+ الخط -

في الصباح الباكر، يستيقظ أبو رامي (من محافظة طوباس) متوجهاً إلى الحقول لقطف أوراق الخبيزة والخردل والسلق، يجمعها في باقات متساوية الحجم ويحملها إلى مدينة نابلس، يبيع النباتات ليشتري بثمنها بعض الحاجيات واللوازم الضرورية لبيته. كان يقف على أحد أرصفة مدينة نابلس، وينادي على المارة لبيع ما يحمله من نباتات. يقول لـ"العربي الجديد" إنه يعتمد على بيع الخبيزة وغيرها من النباتات الشتوية، ويعتبر أن هذا الموسم جيد لكسب الرزق في ظل تفشي البطالة وقلة فرص العمل.

دخل إضافي

يقول أبو رامي: "أعمل منذ سنوات عدة في بيع الخبيزة والنباتات البرية بعد قطفها من الحقول. وجدت في ذلك تعويضاً عن مصدر رزقي الذي فقدته خلال انتفاضة الأقصى، حينها كنت أملك شاحنة لنقل البضائع بين المدن، لكنني تعرضت لحادث وخسرت شاحنتني ولم أتمكن من شراء أخرى، فصرت أعمل على قطف النباتات من الحقول تمهيداً لبيعها. في الشتاء، تشكل الخبيزة مصدر رزق إضافي لعائلتي المؤلفة من 23 فرداً".
على رصيف آخر في المدينة نفسها، كان حسن مرشود (16 عاماً) يجلس وفي حوزته باقات الخبيزة والحميض. بدا سعيداً لأنه تمكن من بيع معظمها طوال النهار. يقول: "أجمع وأبي الخبيزة والحميض والسلق من الغور، ونأتي بها إلى نابلس لبيعها وكسب المال لتأمين احتياجات المنزل. الراتب الذي يتقاضاه والدي لا يكفي لتغطية جميع الالتزامات، وخصوصاً أنه يعمل مراسلاً في إحدى المؤسسات المحلية في نابلس، ويتقاضى راتباً بسيطاً".

في الشتاء، يبدو حسن، الذي يسكن مخيم بلاطة شرق نابلس، سعيداً. يقول إن "وفرة النباتات تعود بالخير على عائلته"، مضيفاً "لولا هذه النباتات التي تدر علينا ربحاً وفيراً، لما استطعنا تدبر احتياجات المنزل. فراتب والدي لا يكفي". أما محمد تكروري (47 عاماً) من محافظة سلفيت، فعادة ما يملأ بسطته بالنباتات الشتوية والبرية، ويساعده أبناؤه في قطافها من جبال سلفيت التي تتميز بتنوعها. كان ينادي على الخبيزة والسلق، حين وصل ابنه المراهق، وهو يحمل على ظهره كيساً من النباتات، قبل أن يبدأ بترتيبها على بسطة والده.

تكروري الذي يعتاش من بيع الخبيزة والنباتات البرية منذ 25 عاماً، يقول، إن الموسم يؤمن له دخلاً يوميّاً يكفيه لشراء كل ما يحتاجه. يضيف: "يفضل الناس شراء هذه النباتات منّا نحن أصحاب البسطات، ودائماً ما يسألون عن المنطقة التي قطفت منها. هناك مناطق معينة تمتاز بجودة نباتاتها البرية".
بدوره، يأتي أبو منتصر إلى نابلس حاملاً النباتات البرية والجبلية، يجلس في إحدى زوايا المدينة، ويقصده المارة لشراء الميرمية الجبلية والخبيزة، يعرف بخفة ظله، له طريقته الخاصة في تسويق ما لديه من خلال إلقاء القصائد على مسامع المارة. يتحدر من محافظة سلفيت، ويزرع الخضار في أرضه، ويتخذ من بيع النباتات البرية مصدر دخل إضافي، وخصوصاً أن عائدات حقله لا تكفي لسداد احتياجات منزله كافة. فالمواسم الزراعية خلال العامين الماضيين لم تكن مربحة بسبب قلّة الأمطار، وموجات البرد والصقيع التي أضرّت بالمزروعات.

فوائد صحية

تتميز فلسطين بوفرة النباتات بسبب مناخها المعتدل الذي يساعد على نموها. هناك ما يزيد عن 2500 نوع، منها نحو 46 نوعاً لا تنمو إلا في فلسطين، ما يميزها عن الدول المجاورة. ويوصف الشتاء والربيع بـ"الفصلين الذهبيّين"، إذ تنمو فيهما كثير من النباتات، مثل الخبيزة، واللوف، والسلق، والزعمطوط، واللسينة، والعكوب.
والخبيزة نبتة يتراوح ارتفاعها ما بين 10 إلى 30 سنتمتراً، أوراقها مستديرة الشكل ذات حواف مسننة. تنمو بكثرة في فصل الشتاء، وخصوصاً في الوديان والسهول وسفوح الجبال، وتكون كمياتها وفيرة إذا هطلت كميات كبيرة من الأمطار في بداية الموسم. أما السلق فهو نبات بري ينمو في أواخر فصل الشتاء في المناطق الجبلية.

ويرى عدد من الأطباء أن للنباتات ذات الأوراق الصفراء والخضراء فوائد صحية وغذائية كثيرة، فهي غنية بالحديد والكالسيوم وحمض الفوليك والفيتامينات، وتساعد في التغلب على فقر الدم، ويفضل تناولها بعد طبخها مع زيت الزيتون والبصل، وتوضع إلى جانبها المقبلات مثل الزيتون واللبن والبصل الأخضر والفجل، ولا تخلو أية مائدة فلسطينية منها في فصل الشتاء. كما أن الكثير من العائلات الفلسطينية تفضل التنزه في الجبال في فصل الشتاء، حيث تقوم بجمع بعض النباتات البرية كالخبيزة والسلق، لإعداد وجبات الطعام.