تركوا الدراسة.. ليتكسّبوا

تركوا الدراسة.. ليتكسّبوا

22 أكتوبر 2014
"مجبر على العمل ولو على حساب مستقبلي" (فرانس برس)
+ الخط -
خلّفوا وراءهم أولاداً وزوجات، وذهبوا إلى الشهادة. تركوهم من دون مصدر دخل في مجتمع محاصر، حيث لا فرص ولا إمكانات ولا من يرعاهم. فلم يجد الأولاد المراهقون والشباب أنفسهم من بد للبحث عن أي فرصة عمل لستر عائلاتهم. هؤلاء تركوا تعليمهم الثانوي أو الجامعي، وراحوا يعملون لنحو 12 ساعة في اليوم بأدنى الأجور.

أحمد صفطاوي (19 عاماً) لم يتمكّن من المضيّ بدراسة التربية في جامعة الأقصى. اضطرّ إلى ترك تعليمه بعد استشهاد والده في آخر أيام العدوان الإسرائيلي الأخير على غزّة، ليشتغل مع خاله كعامل سباكة. وكل يوم بعد أذان العشاء، يعود إلى البيت حاملاً معه الخضار أو أغذية أخرى تتيح لوالدته تحضير طعام اليوم التالي.

يشكو أحمد والعرق يتصبّب من جبينه، بينما بدت يداه مهترئتَين: "أنا البكر وإخوتي ثمانية. مصدر رزقنا أصبح عند ربّه، وظروفنا صعبة". يضيف: "لم يترك لنا والدنا أي شيء بعد استشهاده. لذا، أنا مجبر على العمل حتى ولو كان ذلك على حساب مستقبلي".

لكن أحمد لا يخفي حسرته الكبيرة على نفسه، عندما يصادف في طريقه إلى العمل صباحاً، الطلاب وهم يتوجّهون إلى جامعاتهم حاملين كتبهم وقد ارتدوا أفضل ملابسهم. ويتمنّى في سرّه لو أن والده لم يستشهد.. فهو كان ليكون واحداً من بين هؤلاء.

محمد جندية (20 عاماً) الذي يتخصّص في التجارة (فرع إنكليزي) في الجامعة الإسلاميّة، كان أوفر حظاً من جاره أحمد. فهو حصل على موافقة من قبل الجامعة على العمل في الكافيتريا الخاصة بها، وحظي بحسم خاص على رسوم الجامعة. وبالتالي، راح يخصّص ما يتبقى من راتبه لعائلته التي فقدت معيلها (والده) قبل الهدنة بيومَين اثنَين.

في الساعة السادسة صباحاً من كل يوم، يتوجّه محمد إلى مقصف الجامعة لتحضير الوجبات وإنجاز أعمال التنظيف قبل موعد حضور الطلاب. ويستمرّ عمله 12 ساعة، في حين يتابع محاضراته بالتنسيق مع المحاضرين، حتى لا يخسر عمله ولا دراسته.

يقول محمد: "مهمّتي صعبة جداً وأمامي تحدّ كبير، ألا وهو إنهاء دراستي". هو اليوم يغطّي حاجات عائلته بعد استشهاد والده، "على الرغم من أن ظروفنا تزداد سوءاً في الوقت الحالي. المصاريف كبيرة جداً ولا أستطيع تحملها ومتابعة الدراسة في الوقت نفسه".

وطلاب المدارس أيضا
إضافة إلى طلاب الجامعات، يتوجّه تلاميذ المدارس الصغار أيضاً للعمل وبأجور متواضعة، بعد فقدانهم آبائهم. هم مضطرون إلى ذلك، كي لا يمدّوا أيديهم للناس.
طلال (15 عاماً)، كان من المفترض أن يتابع دراسته هذا العام كتلميذ في الصف الأول ثانوي. لكنه بدأ عامه في مطعم على شاطئ بحر غزّة، حيث يعمل يومياً 12 ساعة، لقاء نحو 25 شيكلاً (نحو 7 دولارات أميركية).

طلال ليس الوحيد في عائلته الذي يعمل، وقد تخلى عن دراسته. فأخوه بشار (17 عاماً) أيضاً يشتغل في معمل حدادة. وهما معاً يعيلان والدتهما وإخوتهما الخمسة الصغار، بعدما دُمّر منزل العائلة وكذلك محالها التجاريّة واستشهد الوالد.
تشكو الوالدة هداية قائلة: "لم يتمّ تعويضنا بأي شيء، لغاية الآن. لو انتظرتُ التعويض، كنا لنموت جوعاً. لذا، أصرّ ولداي على العمل لتأمين لقمة عيشنا".

وعلى الرغم من أن طلال كان قد تعرّض لإصابة في يده خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، إلا أنه أصرّ على العمل مع أخيه. ويقول: "أصبت عندما دمروا منزلنا. عانيت من آلام على مدى أسبوعَين، لكن بعدما نظرت إلى حالنا وحديث والدتي إلينا، ذهبنا إلى العمل على الرغم من الساعات الطويلة التي نقضيها فيه". يضيف: "إرضاء الوالدة الآن بالنسبة إلينا أكثر أهميّة من متابعة دراستنا".
أما بشار الذي كان يستعدّ لمرحلة التوجيهي، فهو إلى جانب عمله، يساعد والدته في المنزل ويهتمّ بإخوته الخمسة الصغار.

دلالات