"شارلي" نعم... لكن ماذا عن الشامي والحوراني؟

"شارلي" نعم... لكن ماذا عن الشامي والحوراني؟

15 يناير 2015
(العربي الجديد)
+ الخط -
هل بقي أقلام في الجيب لم ترفع، وهل هناك قناة عربية لم تذرف الدموع؟ ثمة شيء يشي بمأزق إعلامي وصحافي وأخلاقي وضميري، الاجتزاء ليست قصة جديدة لا في مشرقنا العربي ولا طرفيه الآخرين.

ليس هناك من مشكلة أن يقف "نقيب صحافيين" الصوري منهم والفعلي، ليعلنوا جميعا أنهم ضد الاغتيال. لكن مهلاً، صار الأمر يحمل مخاطر ابتذال في بعض أوجهه، وهذا ليس جديداً، لكنه أيضاً ليس في الاجتزاء، ومقاربات تشابك الأيدي مع الأقلام، دليل على صحة وصحوة ضمير، ولا حتى معايير مسحوبة بذات المستويات.

على الأقل عند من بلع لسانه وكسر قلمه حين كُسرت أصابع علي فرزات، وسحق تحت أقدام العسكر عشرات ومئات من صحافيي وفناني العرب الذين عرضوا علينا كمتآمرين مشتراة ذممهم من "قنوات سفك الدم".

سأصدق بأن النية صافية والضمير والأخلاق المهنية خرجا من سكتة قلبية ودماغية. أي أن النفاق وتملق الأمكنة والمواضع، ليس الباريسية فحسب، هي خط سير نخب الإعلام والصحافة العربيتين، وهنا لا فرق بين أن تراها على درج نقابة في القاهرة أو بما يسمح فيه وقت بيروت ودمشق في تدافع التعريف الدقيق للإرهاب الأسود، المتهم فيه بالمناسبة ذاتهم في الغرب ممن يجري تملقهم اليوم.

ما القصة وقد استخرجت كل الأقلام في لحظة واحدة؟

ماذا كان عن عبد الله الشامي ورفاقه من زملاء المهنة على امتداد جغرافيا التسبيح بحمد العسكر واغتيال بالمفرد والجملة؟
وهنا الاغتيال ليس حكراً على بندقية منتم لقاعدة، بل السجن والجلد والقصف وتشويه واتهامات ما أنزل الله بها من سلطان مضاف إليها التخوين ونزع وطنية مثلما تنزع الأحشاء وتقطع الرؤوس وتذوب الأصابع بالأسيد، ويكتم النفس بالكواتم والتهديد بالأهل والحارة والقبيلة والعشيرة. كلها وغيرها من تفاهات عقل استرخاص قيمة لزملاء ليس لهم سوى الأسماء التي تشبه علي وعبد الله وعمر وسمير؟

ماذا عن هؤلاء؟

مثل الباحث عن إبرة في كومة قش سنظل نسأل عن ذلك الضمير وعن ذلك الموقف المنسجم مع سؤال: كيف أشجع على الجهاد لتحرير فتوى باسم سلمان رشدي من ناحية، وأصرخ حاملاً كل مشارطي التي تشبه الأقلام يهذون: ألم نقل لكم إن الحرية مجرد جملة في مسيرة الإرهاب؟

مشهد الكوميديا السوداء مقرف، حتى لو أقسم هؤلاء المنفعلون بما أصاب "شارلي إيبدو" بكل "مقدسات" المهنة.
فمن يصمت عن ذبح صحافي عربي من الوريد إلى الوريد، ويبارك تهما أسخف للاغتيال المعنوي بحق آخرين لن يكون قادرا أن يقنعنا بأن ازدواجية المعايير هي حرفة وممارسة غربيتان فحسب.

من يطل "إعلامياً وصحافياً" من قنوات بلغة الضاد يحرض على قطاع غزة وشعب فلسطين؛ مستقويا بآلة قتل إسرائيلية ومتباركاً بيد نتنياهو وقبله شارون، الملطختين بدماء عشرات ومئات الشباب والصحافيين الفلسطينيين، لن يقنع كثيرين بأن دموعه على "شارلي إيبدو" صادقة...

فمثلما صمت صمْت القبور على هيستيريا التلصص على صحافي فرنسي على مقهى قاهري، وسلخ جلد الوعي بتهمة "العمالة" على صبايا ناشطات في مجالهن سيحتاج لوقفات كثيرة ليقتنع الجمهور بالأداء المسرحي... في هذه الكوميديا السوداء المنتقلة من القاهرة إلى رام الله ودمشق فبيروت فعمان وبغداد وصنعاء وما بينها من مدن وعواصم.... نحتاج ربما في تلك العواصم لرؤساء تحرير صحف لا يصدرون بيانا "سنقف مع قادتنا في مكافحة الإرهاب"... فحتى في هيستيريا الغرب نفسه لا يوجد مثل هذا الإجماع التضليلي.

المساهمون