لو تعثّرت بغلة في العراق... ماذا تقول لميس؟

لو تعثّرت بغلة في العراق... ماذا تقول لميس؟

19 يناير 2015
لم نسمع غضب لميس الحديدي منذ وصول السيسي (تويتر)
+ الخط -
فور أن وصل الرئيس الشرعي محمد مرسي إلى يومه الرابع والستين من حكمه، إذا بكل قنوات رجال الأعمال والمال، تنطلق في شبه سيمفونية واحدة شبه ملقنة سلفاً ومتفق عليها، وكأنها سفينة نجاة. وكلها تخاطب الرئيس مرسي بالتصريح أو الإيحاء أو المكيدة المعلنة: "لو أن بغلة عثرت في العراق لسئل عنها عمر يوم القيامة". ولا أعرف إلى هذه اللحظة ما سر اليوم الرابع والستين بالبغلة، تلك البغلة التي افترض لها سيدنا عمر –على سبيل المجاز– أن تتعثر، وإن كانت تعثّرت حقيقة أم لم تتعثر.
 
بعد ذلك توالى الشرّاح والمعلقون في تفسير هذا القول المأثور لسيدنا عمر ومدى انطباقه على الرئيس مرسي أو عدم انطباقه، وهل الرجال كالرجال، أم أن المجاز ــ كما كلنا يعرف ــ هو صيغة بلاغية كما في كل تراثنا العربي البلاغي الممتد من الاستعارات بما فيها التخيلية والعقلية.

وسهرت القنوات وأبدعت، وتوالت الحوادث تترى كحادثة قطار أسيوط وحادثة قطار البدرشين، هنا تضخم قول عمر عن البغلة وتعثرها في فم المذيعة لميس الحديدي، وأخذ شكلاً آخر من أشكال الاحتجاج المدروس وتخلت عن البغلة وتعثرها وكيف لم يسو لها الطريق عمر وانتقلت إلى: "اللي مش قد الشيلة يسيبها".
هنا أدرك الناس أن بغلة عمر لم تكن من أجل إصلاح طريق لها لم يعبّده عمر، وعلى مرسي كمعنيّ بالمعنى أو الغمزة أن يعبّد للمصريين طرقهم كي ينقذ دوابهم وبغالهم وأحصنتهم من العثرات، بل هي دعوة صريحة تقول بلا مواربة: "اللي مش قد الشيلة يسيبها".
بعد ذلك بشهور ستثبت أحداث الاتحادية والبلاك بلوك وغيرها الكثير أن المسألة في الأساس لم تكن بغلة عمر، بل الأمر تعدى ذلك بكثير، وأحداث إزاحة مرسي فيما بعد باعتراف وزير داخليته أثبتت ذلك بجلاء.

ومرت الأحداث سريعاً وصار السيسي رئيساً بعد الانقلاب. وتوالت أحداث القطارات، حتى وصل عددها إلى 11 حادثة، وبعدها لم أعد قادراً أو مهتما بالعد، والقطارات أيضاً دواب. ولم تطلق أي من القنوات الفضائية بعد مجيء السيسي هذه الحكمة المأثورة لسيدنا عمر مرة أخرى.

ولم نعد نسمع أي شي عن البغلة، ولا الطريق، ولا التعثر، ثم دخلت الطائرات على الخط، والطائرات كما نعلم من الدواب أيضاً، فاحترق منها ما احترق، وفيها ما أحرق بطاقمه من كبار الضباط، ولم يذكر قول عمر المأثور مرة أخرى.
ثم بدأت المراكب النيلية والعوامات، منهم عوامة سمالوط وحدها راح فيها 43 إنساناً ما بين شاب وكهل ومسن.. ولم نسمع عن بغلة عمر أي قول مأثور.
المضحك في الأمر أن الرئيس السيسي يخرج هاشّا باشّا بابتسامة عريضة كلها ثقة مخاطباً إخواننا العرب كي يطيّب قلوبهم عند الحاجة إلى سندهم مصر فيقول لهم مداعباً: "هي فرطة كعب". فقلت الرجل في غمرة تجهيزات قواته المسلحة لا يلتفت لمثل هذه البسائط الهامشية كتعبيد طريق أو طائرة قلّ وقودها أو مركباً سياحياً شارداً في النيل، فالرجل بكل ثقة يطمئن أرومته العربية بكامل ثقته بأنها: "بس فرطة كعب" ويكون معهم في دوامة الوغى مهما كان نوع العدو.

بعد شهور دخلت مئات السيارات في بعضها، فقلت الرجل يجهز لما هو أهم في تاريخه وتاريخ أمته، ونحن الآن في أمر أعظم جللاً ولسنا أمام بغلة تتعثر في العراق أو نعجة.

وإذا بالحوثيين يفرضون سيطرتهم على اليمن بل ويغيرون أسماء الشوارع. والأنكى من ذلك أن هناك قرية صغيرة تابعة لبلدي اسمها العور. كانوا في الستينيات يزرعون الثوم والبصل، وأغلبهم من المسيحيين الفقراء، الذين حتى لا يعرفون أبواب الكنيسة، وبعدما شحّت الأراضي حول بلدتهم وما عاد أحد يطلبهم كعمال زراعيين، تعلموا المهن البسيطة كالنجارة والحدادة والمعمار والسباكة ويسافرون للعمل إلى ليبيا، كعمال مساكين على باب الله لتعليم أولادهم.

أمس خطف منهم 20 عاملاً إلى جهة مجهولة في منطقة سرت غرب ليبيا (وهذا من توابع الانقلاب السيئ وما جناه على بسطاء الناس).

في المساء كنت أنتظر أن تعيد لميس حكاية البغلة وكيف حزنت هي بشكل شخصي خالص حينما تعثّرت في العراق في أيام الرئيس محمد مرسي، إلا أن الأمر كان عادياً، رغم أن سرت أسهل على جيوشنا بكثير من تتبع بغلة تعثّرت بالعراق، حتى إن الرئاسة وكأنها نست حكاية: "فرطة الكعب".

المساهمون