تدخّل السبسي يحسم مشاركة "النهضة" في الحكومة التونسيّة

تدخّل السبسي يحسم مشاركة "النهضة" في الحكومة التونسيّة

31 يناير 2015
اتفاق بين السبسي والغنوشي لتجاوز الأخطاء (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

علمت "العربي الجديد" من قيادات بارزة في حزب "نداء تونس" وحركة "النهضة"، أن هذه الأخيرة ستُشارك في الحكومة الجديدة التي سيُعلن عنها رئيس الحكومة المكلّف، الحبيب الصيد، على أن تجري جلسة المصادقة عليها من مجلس النواب يوم الأربعاء المقبل، أي قبل يوم واحد من انتهاء المهلة الدستورية.

وتكشف المصادر نفسها أن الاتفاق تم بين الطرفين بعد أن حسمت قيادات "النداء" هذا الخيار، على الرغم من معارضة التيار اليساري داخل الحزب، ما كان يُنبئ بتفجير أزمة حقيقية داخل الحزب قبيل التشكيل الحكومي، مشيرة إلى خلافات حقيقية بين ما يُسمى بالتيار الدستوري والتيار اليساري داخل "النداء". ففي حين يريد الأول مشاركة "النهضة" في حكومة الصيد ويدعو إلى عدم إقصائها وبالتالي إقصاء ثلث الناخبين التونسيين، يدافع اليساريون في المقابل عن حملة "النداء" الانتخابية التي ارتكزت أساساً على التباين مع "النهضة" وعدم التنصل من التزاماتها تجاه الناخبين والتحالف مع ما يسمى بـ"العائلة الديمقراطية".

وتُدور هذه الأيام حوارات عن بُعد بين رموز التيارين، ما يعكس انفلاتاً إعلامياً حقيقياً داخل "النداء" وخلافات جوهرية بين مكوناته. ويبدو أن "الدساترة"، كما يُسمَّون في تونس، قد قرروا استعادة زمام المبادرة بعد ما اعتبروه "سيطرة اليسار على الحزب"، وتقديم مقترح حكومي فاشل أدارته بعض مراكز القوى الفرنكوفونية واليسارية داخل الحزب وعن بُعد.

وتقول مصادر من "النداء"، لـ"العربي الجديد"، إن لقاءً سيُعقد اليوم، السبت، للمكتب التنفيذي للحزب لحسم موضوع الحكومة وطريقة تسيير الحزب نهائياً، خصوصاً بعد خروج أبرز قياداته من دفّة التسيير اليومي إلى قصر قرطاج أو مجلس النواب أو الحكومة.

وتتوقّع المصادر أن يكون الاجتماع "حامياً جداً"، وقد يُعمّق من حدّة الخلافات بإخراجها إلى المواجهة المباشرة بعد تداولها عن بُعد بين بعض القيادات في وسائل الاعلام، في حين تقلّل أطراف أخرى ممّا تعتبره تهويلاً إعلامياً لهذه الخلافات التي تُعتبر طبيعية في أي حزب، خصوصاً إذا كان حزباً جديداً لم يعقد بعد مؤتمره الأول.

ويبدو موضوع إشراك "النهضة" في الحكومة، امتحاناً حقيقياً لـ"نداء تونس" الذي تجاذبته بعض القوى في داخله، ولم يتم حسم هذا الموضوع إلا عبر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وفق بعض المصادر التي تكشف لـ"العربي الجديد" عن استعادة هذا الملف من بعض مستشاري السبسي وإعطاء أسس جديدة لرئيس الحكومة المكلف، تقضي بإشراك "النهضة" وحزب "آفاق تونس"، الذي خرج غاضباً قبل الاعلان السابق عن التشكيلة الحكومية، و"الاتحاد الوطني الحر" مع تغيير في حقائبه، بالإضافة إلى بعض المستقلين.

ولئن يبدو أن التشكيل الحكومي سيراعي هذه المعطيات الجديدة، فإن ردود الفعل الأولى حول بعض التسريبات لم تكن مُرضية جداً، خصوصاً من قيادات "آفاق تونس"، التي اعتبرت أن المسار ما زال هو نفسه، وأن رئيس الحكومة المكلف يسعى فقط إلى تعديلات لا ترتقي إلى حكومة وحدة وطنية بالمعنى الصحيح للكلمة.

من جهة أخرى، يقول قيادي بارز في "النهضة"، لـ"العربي الجديد"، إن الحركة لم تستغل فرصة الفشل السابق للتشكيل الحكومي ولم ترفع سقف مطالبها، وإنما قدّمت مطالب معقولة للصيد والسبسي، لا ترتقي حتى إلى المطالبة بأن تكون ممثَّلة كحزب ثانٍ في البرلمان، ولكنها طالبت بتمثيل محترم يجعل منها شريكاً حقيقياً لا ديكوراً في الحكومة.

ويبدو أن هذا المطلب يأتي على خلفية سعي "النهضة" إلى عدم الشعور بالحرج أمام قواعدها، خصوصاً مع أنباء الاستقالة الجديدة لأحد أبرز قيادييها، عبد الحميد الجلاصي، الذي تداولته مختلف وسائل الاعلام كانشقاق جديد في صفوف الحركة.

ولكن المصدر القيادي في "النهضة" يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن استقالة الجلاصي كانت داخلية ومن مسؤوليته في المكتب التنفيذي فقط لا من الحركة، وأنه لم يكن يرغب في نشرها، ولكن جهة ما "تعقّبتها إلكترونياً" وقامت بنشرها لتأزيم موقف الحركة عشية المشاورات الحكومية.

وبلغت "العربي الجديد" معلومات أن زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، ربما يكون قد التقى، أمس الجمعة، الجلاصي في لقاء مطوّل لثنيه عن الاستقالة من المكتب التنفيذي نظراً لأهميته الكبيرة في الحركة، وخصوصاً أن هناك مَن يعتبره "حاسوب" الحزب.

ووفق مصادر "العربي الجديد"، فإن "النهضة" ستكون ممثّلة على الأقل بوزيرين وأربع كتّاب دولة، وقد يُضاف إليهم وزير مستشار لرئيس الحكومة، بعد أن عدلت الحركة عن تعيين المتحدث الرسمي باسمها، زياد العذاري، كوزير في القصر الرئاسي مكلّف بحقوق الانسان، وقد يكون هو مستشار رئيس الحكومة.

ويبدو أن هذا المسار هو الأقرب للحصول إذا لم تحدث مفاجآت في اللحظة الأخيرة، كما حصل إبان التشكيل الأول وتجد الحركة نفسها خارج اللعبة من جديد، ولكن هذا السيناريو مستبعد جداً بالنظر إلى الاتفاق الذي حصل بين الغنوشي والسبسي في الرياض خلال أداء واجب العزاء بالملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والذي كانت "العربي الجديد" كشفت عنه سابقاً، وأكدته مصادر جديدة تحدثت عن التزام السبسي بـ"إصلاح الأمور" و"تجاوز الأخطاء الحاصلة"، قابله "هدوء نهضوي وعدم تصعيد إعلامي ومعقولية في المشاورات" أوصلت إلى الاتفاق.

وسيكون اجتماع "نداء تونس"، اليوم السبت، حاسماً في تحديد الموقف بشكل نهائي، واختيار حلفاء الحزب الجدد وتبيان شكل الحكم الجديد في تونس.

المساهمون