رئاسيات تونس: المنازلة الأخيرة

رئاسيات تونس: المنازلة الأخيرة

21 ديسمبر 2014
اعتمد المرشحان شعارات قائمة على ثنائيات سياسية لإقصاء بعضهما(الأناضول)
+ الخط -

يختتم التونسيون، اليوم الأحد، مسيرة دامت أربع سنوات، هي عمر بداية ثورتهم، التي حموها بكل ما أُوتوا به من حكمة وحوار وصبر وواقعيّة، لعلّها كانت سبباً رئيساً في نجاح مرورهم خطوة بعد خطوة الى هذه المرحلة التي تتوّج جهودهم، للانطلاق في المرحلة التالية للثورة. واختتمت الحملات الانتخابيّة، بهدوء وعقلانيّة، في وقت يبدو فيه أنّ المرشَحين أدركا بسرعة إشارة الشعب الحمراء، حين أحس بأن الفريقين بالغا في التراشق السياسي وتجاوزا حدّ المسموح به تونسياً، باعتبار أن شكل السباق نفسه هو الأهم قبل نتيجته.

ويمكن للتونسيين أن يستعيدوا استنتاجاً سمعوه في الانتخابات التشريعية وفي الدور الأول من الرئاسية، مفاده أنّ "الحملات كانت معقولة على الرغم من بعض التجاوزات غير المؤثّرة"، وهو ما يأملون تكرار سماعه بعد مرور يوم الاقتراع، وما تجنّدت له عشرات الآلاف من العناصر الأمنيّة والمنظمة وقوى المجتمع المدني التي تحشد قواها منذ أيام لإنجاح يوم الانتخاب الطويل.

ولم تخلُ الأيام القليلة الماضية من تشنّج بلغ أقصاه بين الفريقين، ووصل في مدينة مدنين، جنوبي تونس، إلى تراشق بالحجارة بين مناصري المرشّحَين، ما جعل الأمن يتدخّل لتهدئة الأوضاع واستعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق المجموعتين. وفي 17 ديسمبر/كانون الأول الحالي، والذي يصادف ذكرى انطلاق شرارة الثورة الأولى، أشرفت الهيئة الفرعية للانتخابات في سيدي بوزيد، على توقيع ميثاق تهدئة بين أنصار المرشحين للرئاسة، يدعو إلى عدم التصعيد وعدم انتهاك الحرمة الشخصية للمنافس والتعهد باحترام الميثاق في ما تبقى من أيام الحملة.

وبدا لافتاً أنّ الحملتين ارتقتا، في الأيام الأخيرة، بمستوى الخطاب السياسي، مع اعتماد ممثلي المرشحَين أسلوباً هادئاً في الحوارات المباشرة التي جمعتهما بعد حالة تشنج كبيرة طبعت أيام الحملة الأولى، وهو ما انعكس في خطابي المرشحين المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي نفسيهما. وفي حين أكّد الأخير أن خصمه ليس عدوه، دعا المرزوقي منافسه إلى قبول نتيجة الانتخابات، مهما كانت والاعتراف به، متعهداً بأنّه سيقبل بالنتيجة الرسمية والقانونية التي ستفرزها صناديق الاقتراع.

وفيما أسهمت مواقف المرزوقي الأخيرة في التخفيف من حدّة التوتّر الذي سبّبته تصريحاته السابقة، لناحية أنّ منافسه لن يفوز إلا إذا حصل تزوير في الانتخابات، يمكن للمتأمل في خطاب المرشحين، أن يلاحظ حالة من الرشد السياسي الواضح ووعياً بأنّ المرحلة المقبلة لا يمكن أن تُدار إلا بالتوافق والوحدة الوطنية.
وفي سياق متّصل، يقول المرزوقي إنّ "الدولة تحتاج إلى حكومة وحدة وطنية تديرها شخصيّة مستقلّة، ذات خبرة عالية في الاقتصاد، باعتبار أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة "اقتصادية بامتياز"، فيما يؤكّد السبسي، "احترامه للدستور، نصاً ومقصداً"، وأنّه "سيعمل على احترام استقلاليّة الحكومة"، متعهداً "بحماية حريّة الصحافة والتظاهر وحقوق المرأة، والعمل على تطوير الحوار الوطني وتحويله إلى هيكل تشاوري دائم، بما يضمن الاتصال المستمر والسياسة التوافقيّة."

ولم يستطع كلا المرشحَين التخلي عن اصرارهها على الخروج عن صلاحيات رئيس الجمهورية، بتعهّدهما مراراً وتكراراً، العمل لتقليص نسبة البطالة وتوفير فرص العمل وإعادة النظر في المنظومة الاقتصادية من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الواضحة. ولم يتمكن كلاهما من توضيح برنامجه الفعلي، بحكم لجوئهما الدائم إلى شعارات حملتيهما الاستراتيجيّة، والقائمة على ثنائيات سياسيّة بامتياز، تهدف الى إقصاء المنافس ووضعه تحت عناوين بارزة كـ "المنظومة القديمة" و"عودة الاستبداد" و"التغول" بالنسبة للمرزوقي، مقابل "الترويكا الفاشلة" و"الأزمة الاقتصادية" و"التساهل مع الاٍرهاب"، بالنسبة للسبسي.

من جهة أخرى، يحافظ كل فريق على منسوب مرتفع من الأمل بالفوز في الانتخابات. يرى المرزوقي "بشائر النصر" في الحشود التي حضرت اجتماعاته الشعبية، لافتاً في الساعات الأخيرة قبل دخول "الصمت الانتخابي" في مدينة جمّال في الساحل، الى أنّه "أخذ العبرة من هذه الحملة وتعلّم جملة من الدروس، أهمّها أن الشعب التونسي شعب عظيم، ولا يمكن لأي طرف التلاعب به وبعواطفه". أمّا السبسي، فلم يغفل الإشارة، خلال اختتام حملته الانتخابيّة في شارع الحبيب بورقيبة، عن أمله بـ"إعادة الابتسامة للتونسيين" والشروع في مرحلة "العمل والإصلاح".

ويعكس هذا الخطاب المتفائل لكلا المرشحين، حقيقة أنّه ليس بإمكان أحد في تونس الجزم بهويّة الرئيس المقبل، بحكم حدّة المنافسة وتقارب التوقّعات في أكثر من دائرة انتخابية. ويبقى الرهان الأخير مرتبطاً بسير الانتخابات وسلميّتها وخلوّها من تجاوزات خطيرة، وبنجاح قوات الأمن والجيش في احباط مشاريع المجموعات المتشدّدة التي تستهدف العمليّة الانتخابيّة، والسماح للتونسيين بالخروج إلى مكاتب الاقتراع بكثافة.
واللافت أنّ عمليّة الاقتراع في الخارج لم تنطلق بقوة، إذ لم تتخطَّ نسبة المشاركة في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسيّة في الخارج، 6.07 في المائة في يومها الأول، وفق ما أفادت به العضو في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المكلّفة بالخارج، فوزية الدريسي. ونبّهت الأخيرة إلى حدوث بعض الصعوبات، على غرار تأخّر وصول المواد الانتخابيّة، نحو 3 ساعات، إلى مكتب هيوستن في الولايات المتحدة الأميركيّة، والذي يضمّ 120 ناخباً.
وشهدت النسبة الاجماليّة للمشاركة في الدور الثاني في يومها الأول تحسّناً مقارنة مع نسبة المشاركة في اليوم الأول من الدور الأول، والتي بلغت 5.7 في المائة.
وينتظر التونسيون أن يسارع المرشح الخاسر إلى تهنئة الفائز، لإرساء وتد هام في تقاليد الانتخابات التونسيّة وفي الممارسة الديمقراطية عموماً.

المساهمون