كابوس إسرائيل يلاحقها: اندلاع انتفاضة ثالثة

كابوس إسرائيل يلاحقها: اندلاع انتفاضة ثالثة

03 يوليو 2014
انتقلت المواجهات لمناطق لا تخضع للسلطة الفلسطينية (إليا يفيموفيتش/getty)
+ الخط -

أشعلت التظاهرات في شعفاط (الشمال الشرقي لمدينة القدس) أمس، والمواجهات مع قوات الاحتلال، بعد قتل الفتى الفلسطيني، محمد حسين أبو خضير، أوّل من أمس، احتمالات اندلاع انتفاضة ثالثة؛ انتفاضة تشكل كابوساً لإسرائيل وفق أسوأ السيناريوهات، لاسيما أن الغضب الشعبي الفلسطيني جاء في المناطق غير الخاضعة للسلطة الفلسطينية، مما حرّر المتظاهرين من مخاوف الاشتباك مع قوى أمن السلطة الفلسطينية، ووضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في موقف لا يمكنه التغنّي وسطه بالتنسيق الأمني وضبط النفس. بل اضطره إلى مطالبة حكومة نتنياهو باستنكار جريمة قتل أبو خضير، مثلما استنكر أبو مازن مقتل المستوطنين الثلاثة.

ووسط تملّص إسرائيل من مسؤوليتها عن جريمة القتل، وفي ظل أجواء التحريض الدموي والعنصري والإيحاءات شبه الرسمية بعمليات انتقام آتية، رأى محللون إسرائيليون أن تظاهرات الغضب التي انفجرت أمس في شعفاط، تنذر بانطلاق انتفاضة ثالثة تقيّد مجال مناورات حكومة الاحتلال بعدما استنفد العدوان ضدّ الضفة الغربية أهدافه.

وفي هذا السياق، اعتبر المحلل العسكري في موقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، أنّ الغضب الذي تفجّر في شعفاط يهدّد بتحقق السيناريوهات التي وضعها الجيش وأجهزة الأمن، لاحتمالات فتح أكثر من جبهة ضدّ إسرائيل، منذ اندلاع أحداث الربيع العربي، مما قد يقود في نهاية المطاف إلى حرب تخوضها إسرائيل على جبهتين في آن واحد. وهي حرب تصبح فيها الجبهة الداخلية الإسرائيلية الميدان الأساسي تماماً كما حدث مع الجبهتين الداخليتين في قطاع غزة ولبنان، وستتلقى هذه الجبهة كميات كبيرة من الصواريخ والقذائف.

وعرض بن يشاي على الحكومات الإسرائيلية سلسلة من "الاقتراحات العملية"، بدءاً من نشر قوات كبيرة ومكثفة للشرطة والجيش في الضفة الغربية ومناطق الاحتكاك في فلسطين المحتلة، ولا سيما في "المناطق الحساسة" مثل القدس، وإطلاق دوريات مكثفة في شوارع المدينة. كما اقترح على الجيش نصب الحواجز بما فيها الحواجز "الطيارة" المفاجئة لمنع وردع أحداث "عنف إضافية" من الجانبين اليهودي والفلسطيني.

ولم يغفل بن يشاي في تقريره التحريض الضمني على النائبة حنين زعبي، مطالباً بتذكيرها أنّ لحرية التعبير عن الرأي حدوداً، وقارنها مع ساسة اليمين الإسرائيلي المتطرف، داعياً حكومة الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو الى المسارعة في كبح جماح ساسة اليمين واستنكار جريمة قتل الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير، وتعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.

وأشار إلى استشهاد أبو خضير وما رافقه من عملية تحريض دموي على الفلسطينيين وانفلات الدعوات الإسرائيلية إلى الانتقام وترديد هتافات "الموت للعرب" ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي. وقال إن ذلك سحب من تحت أقدام إسرائيل الشرعية الدولية التي توفرت لها قبل 48 ساعة، والتي كان بمقدورها استغلالها لشنّ حملة عسكرية في قطاع غزّة. لكن حملة كهذه، بحسب بن يشاي، بعد مقتل أبو خضير ستشعل دون شك الأجواء ليس فقط في الضفة الغربية المحتلة، وإنما أيضاً في الأردن ومصر، بل قد يسرّ اللبنانيين أن ينسوا خلافاتهم الداخلية، وينضموا إلى العمليات ضدّ إسرائيل سواء كانت عمليات سياسية أو أعمال عنف.

في المقابل، اعتبرت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها، أنّ التقارير المتواترة عن جلسات "الكابينيت" قد تخلق للوهلة الأولى انطباعاّ بأن نتنياهو في خضم عملية متزنة لاتخاذ القرارات بشكل عقلاني، غير أن هناك فرقاً كبيراً بين قرارات عقلانية وبين فقدان السيطرة على الأمور.

وبحسب الصحيفة، فإنّ انفلات التحريض الدموي والاعتداءات العنصرية ضدّ العرب، التي أعقبت تشييع المستوطنين الثلاثة، ومقتل الطفل الفلسطيني أبو خضير، هي في واقع الحال دليل على فقدان السيطرة على الأمور، وهو ما يثير قلقاً كبيراً من أن تحدد هذه العصابات التي احتكر أفرادها "عمليات معاقبة العرب"، الروح المعنوية داخل الحكومة وتدفعها نحو اتخاذ خطوات متطرفة واستعراضية لإرضاء مطالب ثأرية، وعندها سيكون الطريق قصيراً نحو التدهور الأمني وصولاً إلى فقدان السيطرة بشكل تام.

في المقابل، اعتبر المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أنّ المرحلة الحالية هي مرحلة مصيرية لحركة "حماس" ومستقبلها، وقال إنّ نشر القوات الإسرائيلية بشكل مكثف في محيط قطاع غزة يشكل رسالة للحركة من أجل ردعها عن التصعيد، غير أنّه يقرّ بأنّ خيارات شنّ هجوم برّي على قطاع غزّة محكوم، رغم الرغبة الجامحة عند بعض الوزراء، المشحونة بالمخاوف والتداعيات التي قد تترتب عليه، وفي مقدّمة ذلك، الخوف من تأثر الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إضافة إلى انعكاس مثل هذا العدوان على الصعيد الدولي، عدا الثمن العسكري الذي تدفعه إسرائيل مقابل شنّ حملة برّية واسعة في قطاع غزة.

ورأى فيشمان أن من بين الاعتبارات التي تكبح هذه الرغبات أيضاً، هو الثمن الذي ستدفعه قوات الاحتلال مقابل مكوثها في قطاع غزة. وأشار إلى وجود حاجة "لحدث كبير" على هيئة اختلال ميزان الردع بشكل هائل حتى تضطر إسرائيل لشنّ عملية جديدة، سواء على غرار عدوان "الرصاص المصبوب" أو حتى "عمود السحاب". لكن العثور على جثث المستوطنين غيّر عملياً الصورة كلياً، ودفع "حماس" إلى أن تتهرب من أي صلة بالعملية، التي تحولت من إنجاز استراتيجي محتمل، لو تم من خلالها إبرام صفقة تبادل مع إسرائيل، إلى مجرد عملية قتل إضافية لإسرائيليين لا فائدة ترجى منها.

دلالات

المساهمون