رئاسيّات الأسد غداً: تفويض لمزيد من القتل

رئاسيّات الأسد غداً: تفويض لمزيد من القتل

02 يونيو 2014
صندوق انتخاب الأسد هو نعش الحل السياسي(ماريو تاما/Getty)
+ الخط -
يستعدّ النظام السوري، غداً الثلاثاء، لتكرار مشهد "الاستفتاء" على اختيار الرئيس السوري، بشار الأسد، لولاية رئاسية ثالثة، وإن اتخذ ذلك، هذه المرّة، شكل الانتخابات التعددية الشكلية بمشاركة المرشّحَيْن الصوريين حسان النوري وماهر الحجار.

ودعا وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، اليوم الإثنين، السوريين إلى التصويت في انتخابات الرئاسة، واصفاً إياها بأنها "فرصة حقيقية" للتعبير عن إرادتهم، وفق ما نقلت وكالة "الأسوشيتد برس".

وفوز الأسد في الانتخابات الشكلية التي ستجري غداً يبدو مضموناً، ليس بسبب وجود مرشحين منافسين صوريين للأسد فحسب، أو بسبب الضغط الذي ستمارسه أجهزة استخبارات الأسد على السوريين المقيمين في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ولكن أيضاً، نظراً إلى عدم وجود أيّ نية لدى الأسد، الذي يحكم سورية منذ أربعة عشر عاماً، لتحويل نهجه في التعامل مع الثورة الشعبية العارمة، التي اندلعت في الثامن عشر من مارس/آذار قبل ثلاثة أعوام، من العنف المهول إلى "الحل السياسي"، الذي يعرقله. الأمر الذي دفع بمعارضي النظام إلى وصف تلك الانتخابات بـ"رئاسيّات الدم"، نظراً إلى مقتل ما يزيد عن 160 ألف شخص، منذ اندلاع الثورة نتجية إصرار الأسد على البقاء في السلطة.

وفي الوقت الذي هدّدت فيه قوات المعارضة المسلحة بتعطيل الانتخابات، وهو ما يبدو أنها قد بدأت به، فعلاً، اليوم الإثنين، عبر قيامها بتفجير سيارة مفخخة في بلدة الحراكي شرق مدينة حمص، وسط البلاد، ما أدّى إلى وقوع عشرة قتلى بحسب وكالة "فرانس برس"،  دعا رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أحمد الجربا، السوريين إلى "التزام منازلهم" في يوم الانتخابات الرئاسية التي دعا إليها النظام السوري، غداً الثلاثاء.
وحذر من تفجيرات ينوي النظام تنفيذها أثناء الانتخابات.

وقال الجربا، في كلمة مصورة، "نرجو من جميع السوريين الذين نحرص عليهم بعيوننا، التزام منازلهم وعدم النزول بأرجلهم إلى حمامات الدم والعار التي تريدها عصابة الأسد". وأضاف أن "النظام السوري الذي اعتاد على الغوص في الدم، يحضر في يوم الاستفتاء المشؤوم لسلسلة تفجيرات وقصف على التجمعات ومراكز ما يسمى الاقتراع، ويتوزع المهمات مع عصاباته ومرتزقته وإرهابييه، لتنفيذ وتبني هذه العمليات".

وفي مقابل دعوة المعارضة لمقاطعة الانتخابات، فإن المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، ولا سيما المدن الواقعة على الساحل السوري، سيحرص النظام على أن تشهد إقبالاً كبيراً على المشاركة في الانتخابات. الأمر الذي سيعمّق الانقسام الوطني.
تداعيات مشهد مسرحية الانتخابات الرئاسية غداً الثلاثاء، لن تقتصر على ذلك، إذ إن استمرار الأسد في منصبه، ينذر بدخول دورة العنف، التي يمارسها عبر نظامه ضد معارضيه، مستوى جديداً، على ضوء ما يمكن اعتباره "قراراً" دولياً بالسماح للأسد أن يجدّد لنفسه لسبع سنوات إضافية.

وفي خضم حالة الفوضى والدمار التي تعيشها البلاد، يبدو لافتاً قيام أهمّ داعمٍ إقليمي للنظام؛ وهو إيران، بإرسال مراقبين للعملية الانتخابية، إلى جانب مراقبين من دول أخرى، الأمر الذي رأى فيه معارضون للنظام إمعاناً في الاستهزاء بإرادة السوريين من جهة، وترجمة صريحة للسعي الإيراني المستمر، منذ سنوات، لضمان تبعية سورية لها.

وفي وقتٍ تبدي فيه القوى الغربية، ولا سيما تلك التي تشكل النواة الصلبة لـ"أصدقاء الشعب السوري"، رفضاً مستمراً لإجراء الانتخابات، فإن تلك القوى لا يبدو أنّها تمتلك ردّاً جديّاً على التجديد للأسد. وهو ما يعبّر، بصورة جلية، عن غياب الإرادة السياسية الدولية لوضع حدٍّ لشلال الدم السوري.

وكان من النتائج الفعلية للعجز الدولي أمام تجديد الأسد لنفسه، استقالة المبعوث الأممي إلى سورية، الأخضر الإبراهيمي، الشهر الماضي، وغياب أي بديل جدّي لخلافته قبل أن يبدأ البعض التداول باسم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، من دون أن يحدد الأخير حتى اللحظة موقفاً واضحاً حيال احتمال قبوله بالمهمة.

ويبدو طبيعياً أن تتجنب أيّة شخصية سياسية، تتمتع بالحدّ الأدنى من الحكمة، العمل على الملف السوري، الذي تحول إلى التحدي السياسي والإنساني الأكبر للعالم، في ظل وحشية نظام الأسد ورفضه لأي تسويات.

وفي المحصلة، يبدو أن صندوق الانتخاب السوري، الذي سينتشر، غداً الثلاثاء، في مدن وقرى وبلدات سوريّة المدمرة، والذي، كما هو متوقع، ستحرص الآلة الإعلامية، المحلية والإقليمية، للنظام على الترويج له بصفته "إصلاحاً جديداً من إصلاحات القائد بشار"، فإنه سيتحول، بصورة ما، إلى النعش الذي يرقد عليه ما تبقى من أملٍ بحلّ سياسيّ، تتشارك في حمله أطراف كثيرة.