الجنرال أبو نجيب

الجنرال أبو نجيب

24 نوفمبر 2014
جاهز لأي خطر قد يدهم المؤسسة(أيه دي أس أطلس)
+ الخط -

عندما تعبق رائحة عطر الـ "هاملت" الذكورية جداً في الجو، فهذا يعني أن أبو نجيب قد وصل الآن إلى دوامه في العمل.

جاء إلى المكتب بعد أن استُبدل حارس الأمن الشاب. لكنّه، ومنذ وصوله، ترك أثراً في الوظيفة التي يشغلها.

في حياة سابقة، قبل أن يصير حارس أمن خاص، كان الخمسيني أبو نجيب عسكرياً. الأصح أنه كان موظفاً مدنياً في مؤسسة عسكرية. لكنّه تشرّب فيها خصال العسكريين وانضباطهم. صار واحداً مثلهم.

عندما وصل إلى المؤسسة الجديدة ترك انطباعاً سريعاً على الفور. فالرجل صاحب البنية الضخمة وضع "ضوابط" أمنية للمكان. نقل "نقطة المراقبة" من مكتب الاستعلامات في المدخل إلى المساحة الواقعة بين باب المدخل والمصعد. بذلك صار جاهزاً لأي خطر قد يدهم المؤسسة. والخطر قد يكون أي شيء، وقد يأتي من أي شخص. لذلك يجلس أبو نجيب عاقداً يديه على صدره، عيناه على لوحة المصعد، متأهباً لأي طارىء. فالرجل مؤمن بنظرية أمنية تقول: "هاجمهُ قبل أن يُهاجمك".

ومع أن موظفي شركات الأمن الخاص لا يملكون صلاحيات عسكرية ذات شأن إلا أن الرجل يشعر سامعه بأن مهمّته هذه يتوقّف عليها مصير الناس جميعا.

يحضر أبو نجيب على الدوام بلباس الأمن الخاص والصدر المنفوخ، مصفّف الشعر، حليق الذقن مرفوع الكتفين كأنه جنرال في ثكنة. ترافقه في مهمّته حقيبة الهدايا الصغيرة التي تحمل ما تيسّر من حلويات وسكاكر وشوكولا. هذه الهدايا تسعف نشاطه في الليل الذي يسهره حارسا للمؤسسة وأهلها. لكنها ليست له وحده. فهو، كلما مرت بضع ساعات، ينهل كمشةً من هداياه ويوزّعها على الموظفين. الرفض ممنوع. وتهذيب أبو نجيب ودماثته لا يتركان مجالاً للرفض. يستحي الواحد من لطفه فيقبل بهديته المتواضعة.

لم يخرج أبو نجيب من الحياة إلا بوحيده، نجيب. ركّز كلّ اهتمامه عليه حتى نال إجازة في الحقوق. لكن حظ الشاب كان عاثراً في الوظائف الرسمية التي تقدّم إليها حتى الآن، غير أن والده ما زال مؤمناً بقدراته وبأن الأيام ستنصفه لاحقاً، من دون شكّ.

للرجل ابتسامة لا تفارق وجهه. ابتسامة لا تتناسب مع بنيته الضخمة ومهمّة رجال الأمن. ابتسامة تخفي خلفها الكثير من رقّة هذا الرجل الذي يحبّ أن يلعب دور الأب مع الجميع، حتى مع مجايليه.

لا يقرأ أبو نجيب الصحف إلا مساءً بعد أن يكون النهار قد انقضى. ففي الوقت الذي يذهب فيه الناس إلى العمل يذهب هو إلى النوم. فحراساته كلّها ليلية. لذلك لن يتمكن من قراءة هذه السطور إلا متأخراً عن الجميع.

بكلّ الأحوال: صباح الخير أبو نجيب.