على ضفتَي نهر السنغال

على ضفتَي نهر السنغال

18 سبتمبر 2014
يتمسك السكان بأصالتهم ويرفضون ترك أرضهم (Getty)
+ الخط -
يفصل نهر السنغال موريتانيا عن السنغال، لكنه يوحّد سكان ضفتَيه في مفارقة. وعلى الرغم من الانتماء العرقي المختلف، إلا أن هؤلاء يتقاسمون خيرات النهر ويتعايشون بسلام جنباً إلى جنب. وهم أوجدوا لأنفسهم نوعاً من تميز جامع من خلال عادات وتقاليد يتشاركونها، جعلهم مجتمعاً قائماً بحد ذاته له خصوصياته وأعرافه.
يتنقل سكان ضفتَي النهر وكذلك التجار والمسافرون بين البلدَين بواسطة عَبارتَين تؤمنان حراكاً تجارياً فريداً من نوعه. أما القوارب الخشبية، فتبقى وسيلة النقل التقليدية التي تعتاش عليها فئات من هؤلاء السكان، إذ ينقل فيها البحارة البضائع المهربة مستغلين معرفتهم بالمنطقة بمواقيت دوريات خفر السواحل وحرس الحدود.
وإلى التجار الذين يقصدون المنطقة بهدف الربح والاستفادة من عمليات التهريب، فإن عدداً كبيراً من المهاجرين يتوجّهون إليها بحثاً عن فرصة للعبور نحو أوروبا انطلاقاً من مصب النهر ونقطة التقائه بالمحيط الأطلسي. فهناك تكون الفرصة مؤاتية للإبحار نحو جزر الخالدات (الكناري) الإسبانية.
وعلى الرغم من ضيق ذات اليد، يتمسك السكان بأصالتهم ويرفضون ترك أرضهم أو الاستغناء عن نشاطهم. فالمزارعون الذين يعانون من تراجع محاصيلهم بسبب الجفاف وانحصار فيضان النهر نحو مزارعهم، لا يعبأون بإغراءات الهجرة إلى أوروبا. أما الصيادون وملاك قوارب النقل، فيرفضون احتراف تجارة التهريب على الرغم من الصفقات المغرية التي تُعقد على مرأى ومسمع منهم ويرضون بالقليل الذي يحصلون عليه من صيد السمك ونقل المسافرين. ويعتبر صيد السمك نشاطاً رئيسياً في المنطقة التي تتميز بثروتها السمكية الغنية، في حين تأتي الزراعة والرعي في المرتبة الثانية.
إلى ذلك، ثمة فئة من السكان تحترف أعمالاً مختلفة مثل إصلاح القوارب وبيع شباك الصيد ومساعدة البدو الرحل على التنقل بدوابهم من ضفة إلى أخرى. أما النساء، فلا يمانعن في المساهمة في تأمين المصروف من خلال تجارة بسيطة مثل بيع مكعبات الثلج والفول السوداني والسمك المشوي والمانغو والملابس التقليدية. ويعتبر نهر السنغال الذي ينبع من مرتفعات فوتا جالون في غينيا ويعبر مالي والنيجر، نهر البلاد الوحيد. وهو يشكّل الحدود الطبيعيّة بين السنغال وموريتانيا ويمتد على طول 1790 كيلومتراً. وسكان المنطقة الذين يزرعون أراضيهم، ينتظرون فيضان النهر للحصول على المياه. وحين يحصل الفيضان، تحتفل القرى الصغيرة المتناثرة على الضفتَين بأناشيد وأهازيج أفريقية وطقوس ترافق الفلاحين في حصادهم.
يقول المزارع محمد سال ممادو لـ"العربي الجديد" إن "الطقوس والعادات تعكس أهمية وفرة المياه وفيضان النهر بالنسبة إلى السكان. فهو شريان الحياة بالنسبة إلينا". يضيف أن "هذه الطقوس المتوارثة منذ مئات السنين ما زالت راسخة في حياة سكان المنطقة، لما للنهر من تأثير عظيم عليها. ففيضانه يعني ازدهار الحياة الاقتصادية والتجارية، في حين يؤدي الجفاف وانحسار فيضان النهر إلى تدهور الأوضاع المعيشية. فتعتمد الأغلبية على فتات الخضرة وأنواع رخيصة من السمك".
من جهتها، تقول فاطمة إنجاي إنها تعيش "في مجتمع مميّز" يتكون من خليط من العرب والأفارقة الذين تجاوزوا آثار الحرب العرقية الدامية التي نشبت بين الطرفَين في العام 1989. وتؤكد على أن "فوارق كثيرة بين المجموعات العرقية التي تعيش على ضفتَي النهر قد ذابت بالفعل. فقد بات الانتماء إلى المجتمع الأصلي الذي يختلف عن المجتمع المواجه على الضفة الأخرى، أمراً ثانوياً.
ووجد السكان في المظاهر الاجتماعية وطقوس الحياة المشتركة عاملاً يوحدهم، فشكلوا مجتمعاً متميزاً عن مجتمع بلادهم الأصلية. فالحكايات ولون البشرة والموسيقى والرقصات وطريقة الطهي وإعداد الشاي والاحتفال بالمناسبات الاجتماعية والدينية.. كلها عوامل تزيد من لحمة أبناء الضفتَين وإن حملوا جنسيتَين مختلفتَين".
على ضفتَي النهر، أقيمت أسواق تكشف معتقدات السكان. فيعرض السنغاليون منتجاتهم التقليدية وأطباقهم الشعبية، إلى جانب سحرة يستغلون ولع بعض السكان بالأرواح. فيجد السياح في هذه الطقوس فرصة للتعرف إلى جانب من حياة الأفارقة قبل التوغل في الأدغال الأفريقية والتنقل من موريتانيا إلى السنغال. وفي هذه الأسواق أيضاً، يبرع حكواتيون في سرد حكايات تاريخية مؤثرة في وجدان الأفارقة تتعلق بالحقبة التي كان يجري فيها تصدير العبيد من أفريقيا إلى القارتَين الأوروبية والأميركية للعمل بالسخرة.

دلالات