ليبيا تواجه أزمة مالية خانقة بسبب الفوضى

ليبيا تواجه أزمة مالية خانقة بسبب الفوضى

15 يناير 2015
الفوضى تزيد معاناة الليبيين المعيشية (فرانس برس)
+ الخط -
تواجه ليبيا أزمة مالية خانقة، في ظل استمرار الفوضى الأمنية، التي تسببت في خسائر فادحة لصناعة النفط المصدر الرئيسي للإيرادات في البلاد، ما زاد من الشكوك حول قدرة الدولة على توفير السيولة المطلوبة لتغطية الإنفاق خلال العام الحالي، وبالتالي تأجيل إعداد موازنة 2015 إلى أجل غير مسمى.

غرفتا المصرف المركزي

وحسب محللين، فإن المصرف المركزي الليبي الذي أصبح له غرفتان: إحداهما في طرابلس، والأخرى في مدينة البيضاء، بات غير قادر على ضخ سيولة كافية، تطلبها حكومتان وبرلمانان يتنافسان على الشرعية.
وتشهد ليبيا نزاعاً بين قوات "فجر ليبيا" التي يشكلها المؤتمر الوطني والثوار، والقوات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، على أحقية إدارة البلاد، في ظل صراع مسلح احتدم خلال الشهور الأخيرة، وامتد إلى الحقول النفطية، في محاولة للسيطرة عليها.
وتعتمد ليبيا على النفط في تأمين 96% من إيراداتها، ويمثل تراجع الإنتاج وانخفاض أسعاره التي بلغت 60% منذ منتصف العام الماضي، ضربة مزدوجة للموازنة الجديدة.
وتوقع رئيس اللجنة الاستشارية المالية الاقتصادية في المصرف المركزي، محمد أبوسنينة، أن يصل العجز في موازنة 2015 إلى 20 مليار دينار (15.3 مليار دولار)، وأن يحقق ميزان المدفوعات عجزا خلال 2015 بنحو 25 مليار دولار.
وأصدرت الحكومة الليبية الموقتة المُنبثقة عن مجلس النواب بطبرق، في وقت سابق، قرارًا بالسماح لوزارة
المالية والتخطيط بفتح اعتمادات شهرية موقتة للربع الأول من العام الجاري، على أساس اعتمادات السنة المالية السابقة. وأوضح البيان أنه "ينتهي العمل بموجب أحكام هذا القرار، بصدور قانون اعتماد الموازنة العامة للدولة للعام 2015".
وكانت وزارة المالية والتخطيط قدمت مذكرة لرئيس الحكومة، في 29 ديسمبر/كانون الأول 2014، يوضح حجم الإيرادات المطلوبة والمصروفات المتوقعة للعام 2015، وهو ما جعل رئيس الوزراء في حكومة طبرق عبدالله الثني، يصدر أول قرار للعام الجاري، بفتح اعتمادات شهرية لوزارة المالية.

معالجة العجز

وفي المُقابل، عقد المؤتمر الوطني العام، المنتهية ولايته، جلسة استثنائية، لمراجعة أداء حكومة الإنقاذ الوطني برئاسة عمر الحاسي، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق. واستجوبت اللجان الداخلية في المؤتمر المسؤولين الليبيين الثلاثة بشأن كيفية معالجة العجز في الموازنة العامة، ودراسة موازنة العام الحالي، والإيرادات المتوقعة.
في حين قال الناطق الرسمي باسم المؤسسة الوطنية للنفط، محمد الحراري، لـ"العربي الجديد"، إن هناك مساعي من أجل وصول إنتاج ليبيا، خلال العام الجاري، إلى 1.35 مليون برميل مع منتصف العام، في حالة استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد، بالإضافة إلى توفر السيولة اللازمة لصيانة بعض الأنابيب والمضخات الغاطسة والصهاريج المُحترقة.
وفي السياق ذاته، دعا مُستشار في وزارة التخطيط الليبية، عبد الباري الزني، إلى ضرورة وضع موازنة طوارئ في البلاد، مع إجراءات تقشفية، تشتمل على تخفيض الدعم على أربع سلع غذائية، وتخفيض علاوة العائلة إلى النصف.
وقال الزني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن ليبيا مرت بأزمة مماثلة في سنة 1986، حيث انخفضت أسعار البرميل إلي 9 دولارات، بينما وضعت الموازنة العامة في تلك الفترة على 20 دولارا للبرميل، فاتخذت الدولة إجراءات تقشفية بشأن المصروفات، وخفضت علاوة السكن إلى 50%. وأشار إلى أن مشاورات البنك الدولي تقول إن ليبيا على شفا الإفلاس مع مطلع العام المُقبل، في حالة استمرار الصراعات المُسلحة في البلاد، مطالباً بضرورة أخد إجراءات مؤلمة، وذلك من اجل عدم الاقتراض من الخارج.
وفي هذه الأثناء، أكد عميد كلية الاقتصاد في جامعة طرابلس، أحمد أبولسين، لـ"العربي الجديد"، أن الموارد غير متجددة. ما يهدّد ليبيا أنها لا تستطيع تسديد رواتب الموظفين بعد الربع الأول من العام الحالي. وأوضح أن تحسين الاقتصاد يحتاج إلى استقرار سياسي، محذرا من توجيه ضربة خاطفة برفع الدعم، حيث ستكون لها عواقب وخيمة.


تراجع الاحتياطات

وحسب أحدث تقرير للمركزي، تراجعت احتياطيات المصرف بنهاية الربع الأول من العام الجاري إلى 131.339 مليار دينار، مقارنة بمستواه نهاية عام 2013 البالغ 141.309 مليار دينار، ومستواه في عام 2012 البالغ نحو 148.821 مليار دينار.
وتشمل احتياطيات المركزي، رصيده من العملات الأجنبية، والذهب، ورصيده لدى صندوق النقد الدولي.
إلى ذلك، توقع تقرير اقتصادي حديث نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في ليبيا بنسبة 10.8% في عام 2015 و21.9% في 2016، بعد انكماش بنسبة 18% في 2014، و13.5% في 2013، في حالة التوصل إلى اتفاق بين الفصائل السياسية، الأمر الذي سيساعد في تعافي إنتاج النفط والصادرات.
وقال التقرير، الصادر عن مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" البريطانية، الاثنين الماضي، إن وتيرة نمو الاقتصاد الليبي تتأثر بعدة عوامل، منها تكاليف إعادة الإعمار، حيث لا يزال من المتوقع أن تدعم إيرادات النفط إعادة إعمار البنية التحتية الخاصة بإنتاج النفط ونقله، والاستثمارات الجديدة التي تأخرت لفترة طويلة في قطاعي النفط والغاز.
كما توقع التقرير ارتفاع معدل التضخم في ليبيا إلى 12% في عام 2015 مقارنة بـ2% في العام الماضي، وارتفاع عجز الحساب الجاري 22.5 مليار دولار في عام 2015، مقابل 15.2 مليار دولار في العام الماضي.
ويرى التقرير أن استعادة الاستقرار السياسي في ليبيا، والتي تساعد الناتج المحلي الإجمالي على الانتعاش، لا تزال بعيدة المنال حاليًا، حيث لا توجد قدرة على تشكيل حكومة قادرة على توحيد الفرقاء، وكبح جماح الصراع المسلح، بل يلوح خطر تصاعد حدة الصراع، رغم المحاولات الخارجية لحل الأزمة.

المساهمون