شكلك غريب جداً

شكلك غريب جداً

29 يونيو 2014

لجنة التحكيم والفائز في "شكلك غريب جداً"

+ الخط -

 

 لدوافع مازوشيةٍ غامضة، لها علاقة بالرغبة في تعذيب الذات، تابعتُ طوعياً، ومن دون التعرّض لأيّ شكلٍ من الجبر والإكراه، حلقاتٍ من برنامج ترفيهي غريب عجيب، اسمه "شكلك مش غريب". وليست لديّ فكرة إذا كان هذا البرنامج، التحفة الفنية الخالدة! استنساخاً لبرنامج أميركي المنشأ شبيه له، شأن كل البرامج التي تقدمها قنوات الترفيه العربية، المعادية للابتكار والتفرُّد، من حيث المبدأ، والمروّجة كل ما هو مستورد، مثل محبوب العرب، وغيره من برامج منسوخة ومكررة، بلا أي إضافة متعلقة بخصوصية ثقافتنا، في تكرارٍ غبيٍ غير مدروس، سوى لاعتبارات ربحيةٍ بحتة.
مع ذلك، حقّقت معظم تلك البرامج، وعلى الرغم من طابعها الاستهلاكي التجاري، وربما بسبب ذلك، جماهيرية عالية، واكتسحت غرف المعيشة في كل أرجاء الوطن العربي غير الكبير إلا بمقدار هزائمه وانكساراته. ولا بد من الإقرار بأنها ساهمت في التعريف بمواهب فنية مهمة، ما كانت ستحصل على فرصتها التي تستحق، من دون إمكانات مادية بهذا الحجم. تماماً، كما حدث في تقديم المبدع الفلسطيني الغزي المتميّز، محمد عساف، والذي حاز نسبة تصويت غير مسبوقة، جعلت منه نجماً مكرّساً بين ليلة وضحاها. وقد استمع له العالم، قبل أيام، يغني بالعربية من البرازيل، في حفل افتتاح الفيفا (يلّا يلّا). وهذا إنجاز يحسُن الاحتفال به، لا سيما أن ريع الأغنية الجميلة يعود كاملاً إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (أونروا).
وقد أمتعت هذه البرامج المسلية الخفيفة المشاهد العربي، المثقل بمختلف أشكال الهموم، فوجد فيها متنفساً وفسحةً للاسترخاء، وإراحة البال من وعثاء الهم السياسي الضاغط على تفاصيل يومه، وتابع باهتمام كبير مصير المتنافسين، وساهم في التصويت لمتسابقيه المفضّلين بشغف. ولم ينسَ، في غمرة الاحتفال، ملاحقة أنباء الخلاف الأيديولوجي الحاد (!) بين راغب علامة وأحلام التي أثار ثوبها المرصع بالألماس زوبعة إعلامية شديدة في الصحافة، وفي الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي المجالس الخاصة أيضاً. وهكذا، تمكنت الجماهير العربية الغفيرة، غير الغاضبة بما يكفي على ما يبدو!، من تفادي مشاهد الدم والظلم والتهجير والقتل الفادحة، باعتبارها أحداثاً عابرة، تقع لجماعةٍ تقطن في المريخ!
وكما نقول في الأردنية الدارجة "كلّه كوم وهذا كوم"، فإن ما سبق كوم وبرنامج "شكلك مش غريب" كوم ثان. إذ تمكن القائمون عليه من الوصول إلى ما بعد الحد الأقصى من السطحية والسخافة والتسطيح والاستخفاف بذائقة المشاهد والاستهانة بذاكرته الفنية، المرتبطة بأرشيفه الوجداني، ابتداءً من فكرة البرنامج الأساسية غير المدهشة، القائمة على التقليد الفجّ لقاماتٍ فنية كبيرة، من وزن أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم وفيروز وداليدا، بالاستعانة بفنانين يتراوح مستواهم الفني بين المهم والعادي والباهت وغير الموهوب، لعل أبرزهم من نجوم الدراما السورية، عبد المنعم عمايري وديما قندلفت، وقد أساءا إلى تاريخهما ممثلين بارعيْن، لهما بصمتهما وحضورهما الجاد والرصين والنوعي، وصدما جمهورهما الذي أحبهما، واحترمهما، في الأعمال المهمة التي شاركا فيها، فانحدرا في مستواهما إلى نقطةٍ بائسة، تحولا على أثرها إلى مهرجيْن لا يخلو أداؤهما من ركاكةٍ وإسفافٍ. وقد جهدا في خطب ود صاحبة الحنجرة الذهبية والخبيرة الموسيقية والفنية والتجربة الريادية الفنية العريقة في حقل الموسيقى البروفسورة، هيفا وهبي! كونها أبرز أعضاء لجنه تحكيمٍ لا تقل رداءة وسوقية، تعبّر ملامح أحد أعضائها، وهو مطرب أفراح، عن غباءٍ منقطع النظير، يتجلى في تعليقاتٍ يفترض أنها فنية متخصصة، ولكن، بنكهة الحشيش! الجهبذ الثالث، ممثل مصري صاعد، يدعى محمد سامي، كان جريئاً ومقداماً إلى درجة التصريح بفخر، وبلا أدنى إحساس بالمسؤولية، كعضو لجنة تحكيم لبرنامج غنائي، بأنه لا يعرف سعدون جابر، وبالتالي، لا يستطيع أن يقيم أداء عمايري غير الفذّ بالضرورة.   
مقدم البرنامج هو الإعلامي اللبناني، غير المؤثر إطلاقاً، طوني أبو جوده. وهو، كما يجمع كثيرون، بلا كاريزما أو نجومية تبرر اختياره مقدماً. أهم إنجازاته، في الفن، إعلان تجاري يُبثّ على مدار الساعة، عن منظّف حمامات يزيل أصعب الأوساخ... ليته توقف عند هذا الحد.


 

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.