المصالحة وشبح "مكة ٢"

المصالحة وشبح "مكة ٢"

02 يوليو 2014

المصالحة لم تجد طريقها للتطبيق (سعيد خطيب/فرانس برس/Getty)

+ الخط -

بعد الاحتفالات والتبريكات الكثيرة التي قيلت في المصالحة الفلسطينية، وبعد الظهور الشكلي لـ"حكومة الوحدة"، ربما حان وقت القراءة المتأنية في مسار المصالحة، وما إذا كان سيؤدي فعلياً إلى إنهاء الانقسام، وخصوصاً أن بوادر الفشل وتكرار التجارب السابقة بدأت تلوح في الأفق.

قراءة تنطلق من الخارج إلى الداخل، لتبيان تفسير التقدم الإيجابي المفاجئ، والذي يبدو أنه سينتهي سلبياً، وربما بشكل مفاجئ أيضاً. إذ لا يجب أن يكون خافياً، ومن المؤكد أنه ليس كذلك، خصوصاً على الفلسطينيين أنفسهم، أن المصالحة لم تتأت من رغبةٍ حقيقية لدى طرفي الانقسام، بل هي نتيجة تحولات إقليمية ودولية، فرضت حالاً من المساكنة، كل لحسابات مصالحه.

"حماس" كانت بحاجة إلى سند بديل، بعد الانقلاب المصري وفقدان الدعم الإخواني، وبعد الانسلاخ عن الممول الإيراني في أعقاب الموقف الذي اتخذته الحركة من الثورة السورية. البديل يمكن تأمينه، ولو جزئياً، من التصالح مع السلطة الفلسطينية، وخصوصاً إذا ما تمكن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، من الترويج دولياً لمشاركة الحركة في الحكومة، في استكمال لمسعى "حماس" إلى فك العزلة الدولية، الذي كان بدأ مع الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي.

في المقابل، كانت لعباس حساباته الخاصة، الموجهة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، بعد فشل تمديد المفاوضات. كان يريد أن يوحي بأنه قادر على المضي في خياراتٍ مختلفة عن العملية التفاوضية، وأنه سيمضي إلى المنظمات الدولية بصوت فلسطيني واحد.

بناءً عليه، مضى الطرفان في المسعى التصالحي الذي نجح في استيلاد "حكومة وحدة" بالمسمى فقط، إلا أنها لم تجسد هذا الأمر حتى اللحظة. بل ربما على العكس، ولا سيما أن الأسابيع القليلة التالية للاتفاق لتشكيل الحكومة أكدت ما هو مؤكد: الطرفان يسيران في خطين متوازيين، لا يمكن أن يلتقيا، مهما تم تقديم تنازلات وإبداء براغماتية.

تجارب سابقة كثيرة، خاضها الطرفان سابقاً للتقارب، لكنها سقطت كلها في محك التجربة. لعل اتفاق مكة الذي وقع في العام 2007 يعد المثال الأكثر تعبيراً عما يمكن أن تسير عليه الأمور. حينها، تم الاتفاق، وتشكلت الحكومة، غير أن الود الذي لم يدم عملياً إلا في لحظات التقاط الصور مع العاهل السعودي، انقلب دموياً وانفصالاً جغرافياً بين الضفة وغزة.

لن تصل الأمور إلى هذه المرحلة الآن، وخصوصاً أن الانفصال لا يزال قائماً، ولا مجال للمعارك الدموية، طالما أن الفتحاويين لم يعودوا إلى القطاع. التشابه قد يكون بسقوط الاتفاق وانفراط عقد الحكومة، وهو ما بدأت توحي به تصريحات المسؤولين في الحركتين. تصريحات تغلف الخلاف بطابع إنمائي اقتصادي خدماتي، غير أن الواقع مختلف. واقع يؤكد أن كلاً من الطرفين لا يمكنه احتمال توجهات الآخر.

تصريحات عباس، أخيراً، عن التنسيق الأمني المقدس، في أعقاب أسر المستوطنين الثلاثة، شكلت حرجاً كبيراً لحركة "حماس" أمام كوادرها وحاضنتها الشعبية. الأمر نفسه بالنسبة إلى عباس الذي لم يستطع أن يحتمل ترحيب الحركة بعملية الأسر، خصوصاً في ظل الارتباطات والاتفاقيات مع إسرائيل والولايات المتحدة، والتي يلتزم بها عباس عن قناعةٍ تامة.

ما بين حرج الطرفين، لا تزال المصالحة حبراً على ورق، ولا تزال الوحدة اسماً لم يجد طريقه إلى التطبيق، في ظل مخاوف جدية وواقعية من أن تقف الأمور عند حدود "مكة 2".

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".