"هيستيريا" الأجهزة الأمنية اللبنانية

"هيستيريا" الأجهزة الأمنية اللبنانية

25 يونيو 2014
خلال المداهمة في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -

بين عشية وضحاها، انبعثت في ذاكرة اللبنانيين صور التفجيرات والإرهاب. عادت أبشع المشاهد إلى بيروت والقاطنين فيها، على وقع تفجيرين انتحاريين في ضهر البيدر والشياح، ومداهمات نفّذتها القوى الأمنية في شارع الحمراء، وسط العاصمة. رجع الواقع الأمني المحلي شهوراً إلى الوراء، تحديداً إلى ما قبل سقوط القلمون السورية، التي قال حزب الله إنه "حرّرها" وقضى على "مراكز الإرهاب وصناعة العبوات والسيارات المفخخة".
حصل التفجيران وانحصرت محصلتهما بقتيلين، هما عنصران امنيان، الاول من قوى الامن الداخلي والثاني من الامن العام. في المقابل، لم يرشح عن عملية دهم فندقي "نابوليون" و"كازادور" في شارع الحمراء البيروتي، سوى القليل من المعلومات. أوقفت القوى الأمنية، يوم الجمعة، عشرات النزلاء العرب في الفندقين. خضّت البلد بمواطنيه وزوّاره الأجانب. أطلقت سراح الجميع في غضون ساعات، باستثناء أربعة لا يزالون تحت أضواء التحقيق والاستجواب. من بين هؤلاء الأربعة، لم يثبت حتى الساعة سوى تورّط موقوف وحيد بنشاط إرهابي. يحمل الرجل الجنسية الفرنسية، وهو من أصول تعود إلى جزر القمر، بحسب مصادر أمنية لـ"العربي الجديد"، وهو "ليس له دور فاعل على صعيد الخلايا الإرهابية، وقَدِم إلى لبنان للتقرب من بعض هذه الخلايا".


كذلك أثبتت التحقيقات "أنّ الموقوف لا يعلم لأي جهة يعمل، وليس على معرفة بأي فرد أو مشغّل". اعترف بأنه قدم إلى لبنان "للجهاد من دون أن يعرف ما هو أو من هو هدفه الانتحاري. بكلام آخر، فإنّ الشاب الفرنسي ــ جزر القمري انتحاري مفترض لا يزال في طور التجنيد لا أكثر، يمكن وضعه في خانة "الجهادي فكرياً"، لكن ليس عملياً ولا ممارسةً. وبالتالي، يمكن القول إنه لم يكن هناك صيد ثمين لدى الأجهزة الأمنية التي تتحمل مسؤولية في خضّ البلد أمنياً، وتشويه الهدوء المستمر في لبنان منذ منتصف مارس/آذار، تاريخ آخر الانفجارات في البقاع، شرقي لبنان.
تعاملت الأجهزة الأمنية اللبنانية بهيستيريا مع قضية دهم وتفجير يوم الجمعة الماضي. انتشر مئات عناصر الأمن وعشرات الآليات في بيروت بغضون دقائق. قطعت قوى الأمن طريقاً رئيسياً في منطقة الأشرفية، بالقرب من مقرّ المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، في قلب بيروت. أما جهاز الأمن العام، فرفعت قيادته الحواجز الاسمنتية وصفائح الـ"نيو جرسي" أمام مراكزها في منطقة العدلية أيضاً في العاصمة. كذلك احتلت وزارة الداخلية جزءاً من الطريق العام في شارع الصنائع وحوّلته إلى مدخل أمني للوزارة. توحي كل هذه الإجراءات بأنّ دائرة الاستهداف الإرهابي توسّعت وباتت أكثر من جدية، على الرغم من توحّد القرار السياسي والميداني بين القوى اللبنانية كافة، تحديداً تيار المستقبل وحزب الله.
يبرّر مصدر أمني هذه الهيستيريا بأنّ أكثر من برقية وصلت إلى أجهزة الأمن اللبنانية تفيد بالتحضير لتفجيرات واغتيالات على الساحة المحلية. وصلت برقية من أجهزة استخبارات أوروبية وأخرى أميركية، لكل من استخبارات الجيش وجهاز الأمن العام. تقاطعت هذه المعلومات مع المعطيات الموجودة لدى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي والقائلة إنّ إحدى الخلايا الجهادية عادت إلى نشاطها في بيروت ومحيطها بحثاً عن ضحايا جدد. كما اكتمل المشهد الأمني مع وصول معلومات للأجهزة، من الخارج أيضاً، عن استهداف مستشفى في الضاحية الجنوبية لبيروت.
محصّلة هذه البرقيات والمعلومات تمثلت بثلاثة عناوين رئيسية: وجود خلية إرهابية ناشطة في بيروت، وتحضير ثلاث سيارات محملة بأطنان من المتفجرات بالإضافة إلى استهداف الضاحية. تجسّد كل ذلك في مشهد أمني سوريالي في منطقة الحمراء، حيث غرق كل من الأمن العام وفرع المعلومات في حادثة إذلال نزلاء عرب وأجانب. ويقول أحد الأمنيين لـ"العربي الجديد" إنّ "الأجهزة الأمنية لم تجد وسيلة أخرى، كان علينا توقيف الجميع ثم العمل على تضييق دائرة الاشتباه وصولاً إلى توقيف المطلوبين الفعليين"، أو بالأحرى المشتبه فيه الوحيد.
إلا أنّ مداهمة الحمراء حملت معها واقعة أولى في إطار توحّد، أو توافق، جهازي فرع المعلومات والأمن العام، اللذين نفذا عملية الدهم وأداراها، كما يقول وزير معني بالملف الأمني، على الرغم من كون الجهاز الأول محسوباً على قوى 14 آذار والثاني على 8 آذار. لكن هذا التنسيق لا يعني أنهما نجحا في المهمة، باعتبار أنهما لم يقودا إلا لهزّ المشهد الأمني المستقرّ ورفع حال التوتر بين المواطنين، على أبواب موسم سياحي صيفي كان المفترض أن يمرّ بهدوء وسلام.
وحديث الوزير المعني لا يلغي واقع أن الاجهزة الامنية مستمرة في صراعاتها البينية. يلهث كل منها خلف "خبطة" أمنية تضع الآخر تحت مجهر التقصير. يمكن ملاحظة ذلك في ما اعلنه قائد الجيش جان قهوجي، فور حصول عمليات الدهم، وحرفيته إن "بعض ما يقال مضخّم". وفي الاطار نفسه، يمكن وضع الموقف الذي صدر عن المدير العام لقوى الامن الداخلي، اللواء ابراهيم بصبوص، الذي سارع الى نفي خبر استهداف المدير العام للأمن العام، اللواء عباس ابراهيم، في تفجير ضهر البيدر. يبدو أن صراع الاجهزة الامنية المحلية مستمر، لا بل يتفاقم.
هيستيريا تضرب أجهزة الأمن اللبنانية، مثلما تضرب التفجيرات الانتحارية اللبنانيين. لا يبدو أن أحداً في هذه الأجهزة مستعد لتقديم جردة حساب شفافة لما قام به، وما يُمكن القيام به. لا أحد يُمكنه أن يؤكّد إن كانت هذه التوقيفات ذات جدوى حقيقيّة أم لا.

دلالات