6 أيام من الموت عالقة في أذهان الفلسطينيّين

6 أيام من الموت عالقة في أذهان الفلسطينيّين

05 يونيو 2014
من صور الحرب (موشيه ميلنر/فرانس برس/getty)
+ الخط -

لا تزال أصوات القصف الإسرائيلي العنيف، ومشاهد القتل ودموع الأطفال والبيوت المدمرة ولحظة اجتياح القوات الإسرائيلية لمدينة خان يونس، جنوبي قطاع غزة إبان حرب العام 1967، عالقة في مخيلة المسنّ الفلسطيني، خميس القوقا.

ورغم السنوات الـ47 التي مرت على الأيام الستة للعدوان ذات يونيو/حزيران، إلا أنها لم تكن لتتلاشى من ذاكرة القوقا الذي يحفظ "التفاصيل الدقيقة" للساعات الستة الأولى من العدوان، يوم اقتحم الجنود الإسرائيليون بيته، واعتقلوا والده، وقتلوا العشرات من جيرانه وأصدقائه.

ويقول الرجل الستيني إن القصف الإسرائيلي استمر على قطاع غزة طوال ست ساعات متواصلة، حاولنا خلالها الهرب من منازلنا ولكن بلا جدوى، فقتل الكثيرين وهدمت وأحرقت عشرات البيوت.

ويروي الرجل، لـ"العربي الجديد"، بعدما علق بصره في أفق نافذة غرفته للحظات، "كنت أجلس مع أبي وأمي وخمسة من إخوتي في منزلنا، عندما بدأ القصف الإسرائيلي، فحاولنا الهروب، ولكن اكتشفنا أن القصف كان عشوائياً، وبالتالي لا يمكن اللجوء لأي مكان آمن في ذلك الوقت، فقررنا البقاء في الشارع وتحت أشجار في أرض قريبة".

ولم تمضِ سوى ست ساعات اشتد خلالها القصف، حتى كانت قوات الجيش الإسرائيلي قد اجتاحت قطاع غزة وانتشرت الدبابات والمركبات المدرعة في أنحاء مدينة خان يونس وكانت أسراب الطائرات تحلق بكثافة، بحسب القوقا.

ذاكرة الفلسطيني العجوز، ليست وحدها التي لا تزال تحتفظ بتفاصيل "النكسة"، فالفلسطيني خالد السمري من مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، كان لديه فصل آخر من فصول الحرب.

ويقول السمري، الذي يبلغ من العمر 67 عاماً، "سمعنا في الأخبار أن الجيوش العربية تستعد لتحرير فلسطين وإعادة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم، وعندما اندلعت الحرب عام 1967 لم نتخيل أن ست ساعات ستكون كافية لهزيمة تلك الجيوش التي علقنا عليها كل آمالنا باستعادة بلادنا المحتلة".

ويسرد السمري موضحاً "انضمّ المئات من الشباب إلى جيش التحرير، ولكنهم لم يتمكنوا من فعل شيء، فالطائرات الإسرائيلية كانت تقصف معسكراتهم بالقنابل بشكل عنيف، والمقاتلون العرب كانوا يلقون أسلحتهم ويهربون"، وفق ما يخبره لـ"العربي الجديد".

يصمت اللاجئ الفلسطيني للحظة، قبل أن يضيف أنه "بعد انتهاء القصف من الطائرات والمدفعية الإسرائيلية، وخلال ساعات فقط، كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت مدينتنا واقتحمت المنازل واعتقلت المئات من الرجال ونقلتهم إلى السجون داخل إسرائيل، ومنهم من تم نفيه إلى الأردن وآخرون إلى مصر".

ويستدرك أن شقيقه كان "من ضمن المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون، واستمرت فترة اعتقاله قرابة أربعة شهور ظننا خلالها أنه قد قُتل، فجنود الجيش الإسرائيلي لم يعرفوا الرحمة، وكانوا يقتلون النساء والأطفال"، يقول السمري.

يقاطع حديث العجوز الفلسطيني، "أزيز" طائرة حربية إسرائيلية تحلق في أجواء غزة، فيتذكّر: كنا نسمع مثل هذه الأصوات بشكل كبير خلال تلك الأيام. ثم يعود ليكمل حديثه الأول، ويشير إلى أنه "بعد أربعة شهور، أفرج الجيش الإسرائيلي عن شقيقي، وعاد ليكتشف أن منزله في دير البلح قد دُمّر وأحرق بالكامل ونصبت مكانه خيمة". ويكشف أن شقيقه "لم يستطع أن يحتمل العيش في تلك الظروف، فأصيب بمرض لم يعرفه الأطباء، ومات بعد شهرين من الإفراج عنه".

وفي نقطة بعيدة عن منزل السمري، التقى "العربي الجديد" بالفلسطيني سهيل الشيخ عيد، في أقصى الحدود الجنوبية لقطاع غزة. يستعرض عيد (70 عاماً)، الذي يقطن في مدينة رفح، مشاهد اجتياح الجيش الإسرائيلي لسيناء المصرية، لافتاً إلى أن القوات الإسرائيلية "تمكنت من السيطرة بشكل كامل على قطاع غزة بعد يومين من نشوب حرب النكسة، وبدأت بالتحرك نحو مدينة العريش وسيناء المصرية".

لا يزال يتذكر جيداً كيف اندلعت معركة شرسة بين الجيشين الإسرائيلي والمصري على مشارف مدينة العريش، حيث قُتل واعتقل آلاف الجنود المصريين. وخلال يوم واحد، "كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت المدينة بالكامل" بحسب شهادته. ويضيف، بعدما وضع إبريق الشاي على موقد حطب، أنه "بعد سيطرة الإسرائيليين على مدينة العريش، توجهوا إلى قرية أم كاتف واحتلوها، ومن ثم اندلعت معركة قرية أبو عجيلة التي استمرت يومين أو ثلاثة، هاجم خلالها الجيش الإسرائيلي مواقع البدو، ووجدوا مقاومة شرسة من القوات المصرية".

ويشدد الرجل على أنه رغم المقاومة الشرسة من القوات المصرية، إلا أنها لم تصمد أمام هجمات الطائرات الإسرائيلية التي كانت تقصف بعنف المواقع العسكرية والمدنية المصرية. وفي يوم 8 يونيو/حزيران، كان الجيش الإسرائيلي قد سيطر على سيناء.

ينتهي الشيخ عيد من تحضير الشاي. وبعد احتسائه، يلخّص مشاعره قائلاً: "خيّبت تلك الحرب آمال الفلسطينيين، فكان الجميع يتوقعون عودة اللاجئين إلى قراهم ومدنهم، وانتهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين".

المساهمون