300 الف طفل في سجون الانقلاب في مصر

300 الف طفل في سجون الانقلاب في مصر

22 فبراير 2014
يتعرض الاطفال الى التعذيب والضغط النفسي في السجون المصرية
+ الخط -

* حرف ضائع يتسبب في تعذيب طفل يحب السيسي

* "باستيل المرج" اكبر مستعمرة عقاب لأطفال مصر

* 30 طفلا في زنزانة واحدة بلا أسٍرة في الاسكندرية

انتهاكات غير مسبوقة ارتكبتها سلطات الإنقلاب فى مصر ضد الأطفال خلال سبعة أشهر، أقدمت خلالها على استخدام العنف والقمع مع الأحداث والقُصَر ليصل مجموع المعتقلين الى ثلاثمئة طفل، يوجد منهم بحسب حقوقيين مئة طفل في الإسكندرية وحدها.

"المؤسسة العقابية بالمرج" أو كما يطلق عليها الحقوقيون فى مصر "باستيل المرج"، أحد أبرز أماكن التعذيب للأطفال، ومنها يتخرج أعتى المجرمين بعد ما لاقوه من صنوف الإهانة والتنكيل.

محمود كمال دعبس "17 عاماً"، أحد نزلاء باستيل المرج، تم ضبطه وأربعة من رفاقه يوم 28 يناير الماضي على الطريق الدائري في طريقهم إلى مدينة نصر، ويومها أذاع التليفزيون المصري بيانا بإعتقال خمسة شباب من جماعة الإخوان، أثناء خروجهم من مظاهرة من مسجد السلام وبحوزتهم زجاجات مولوتوف، وأذاع إعتراف لأحدهم ويدعي وائل مصطفي (17 عاما) يزعم فيه أنه تلقي مئتي جنيه من الإخوان لكي يتظاهر ويلقي المولوتوف، أما الحقيقة الصادمة فهى التى تحكيها هدير الأخت الكبري لمحمود، وكيف تم تعذيب الأطفال الخمسة من خلال ما حكاه لها محمود "المتدين وفقط"، والذي لا ينتمى للإخوان من قريب أو بعيد.

تقول هدير: "تم تعذيب محمود وأصدقاءه في قسم شرطة مدينة نصر بالكهرباء والعصي، أفرجوا بعدها عن ثلاثة منهم هم عمر بنداري ومحمد هشام وعلاء طه بينما بقي وائل في القسم. وتم نقل محمود إلى المؤسسة العقابية بالمرج. وفى أول زيارة لمحمود قال لي أنه كان يتعمد الصراخ بحسبي الله ونعم الوكيل عندما كان الضابط يقوم بتعذيبه وكهربته حتى لا يشعر بالذل". ومن ضمن المواقف اللى حدثت معه مثلما حكى لي أن الظابط ضربه في بطنه فقال له محمود: حسبي الله أنا كليتي تعبانة فسبه الضابط بأمه وقال له: "أنا هخليك معندكش كلية خالص" واستكمل الضرب والتعذيب.

وتحكى هدير عن أول زيارة لوالدتها لمحمود بالمؤسسة وأنها لم تعرفه من شدة التعذيب خاصة أنه ضعيف البنية ومريض كلى ويعاني من آلام بالركبة، وأنه أخذ يستعطف أمه أن تخرجه "كان منهارا ويحكي عما لاقاه من تعذيب وإهانة".

وتؤكد هدير أن الحالة النفسية التى يعانيها محمود بالغة السوء ما يجعله يتمنى الموت، تقول: "لا يمكن أن أنسى وجه محمود وهو يستعطف أمي بالقول: "اتصرفوا خرجوني من هنا، ان شاء الله أخد مؤبد أو يقتلوني بس بلاش أكون هنا، أنا مش هقبل أكتر من كدة ذل".

وتروى هدير أن كل من كان من المنقولين مع محمود إلى المؤسسة العقابية على خلفية اعتقال سياسي كان يصرخ ويجرى باتجاه أمه متوسلا أن تبذل ما فى وسعها لإخراجه، مشيرة إلى أن محمود حكى لها أنهم يطلبون منهم مسح البلاط بالمؤسسة وبطريقة غاية فى الإهانة، حيث يغرقون الارض بالمياه والصابون ويرغمون الولد على النوم على بطنه ماسحا الأرض بملابسه وكأنه يعوم.

وانتقد الإئتلاف المصري لحقوق الطفل في بيان له، استمرار فرض الكفالات المالية للإفراج عن الأطفال المعتقلين بالمخالفة للقانون، مشيرًا إلى أنها تخالف نص المادة 140 من قانون الطفل لانتفاء الذمة المالية للطفل، فضلا عن كونها عبئا على أسر الأطفال.

أما عمرو البنداري (17 عاماً) الذي تم الإفراج عنه فتم تعذيبه في قسم مدينة نصر في غرفة حديدية تسمى "المونديال" يتم تعليق الضحية فيها ويتبارى المخبرون وأمناء الشرطة فى التعذيب للحصول على كأس المونديال لمن يتفنن في تعذيب الضحية، وحكى عمر أنهم كانوا يجبرونهم على الرقص، وسب أنفسهم وهم يرقصون، ولم يكن مسموحا باغلاق الحمام أثناء قضاء الحاجة أما الاستحمام فيكون جماعيا.

يقبع مؤمن محمد سعيد (15 عاما) في المؤسسة العقابية بالمرج منذ 13 أكتوبر 2013، تقول والدته: "لا يمكن أن يتخيل أحد ما يعانيه أولادنا فى هذا المكان، فالضباط يقومون بالتحرش بأطفالنا ويقومون بسبهم بأقذع الألفاظ والإشتباك معهم واستفزازهم، وعندما أخذت لإبنى ساندوتشات أجبروه على شرب صابون سائل لكى يتقيأها لأنه لم يستأذن في تناولها، ولا يسمحون لهم بقضاء الحاجة سوي مرتين في اليوم، وبالتالي يضطر معظم أولادنا للصوم حتى لا يحتاجون الدخول للحمام، ولو ضبط طفل يصلي يتم ضربه وهو يصلي ثم تعليقه، فمن يرضيه هذا التنكيل".

وكان المحامي العام لنيابات وسط القاهرة، قد أمر بإخلاء سبيل 35 طفلاً أقل من 18 سنة تم إلقاء القبض عليهم في ذكرى ثورة يناير 2014 في القضية رقم 291 لسنة 2014 جنح عابدين بكفالة قدرها 10 آلاف جنيه لكل طفل، فيما وصل رقم الكفالات إلى 30 ألف في قضايا بعض القصر.

ما يجري في باستيل المرج بالقاهرة تخف حدته قليلا فى المؤسسة العقابية بكوم الدكة بالإسكندرية، يقول والد الطفل محمد عبد الكبير أن العنبر مساحته عشرين مترا مربعا وويوجد به ثلاثون طفلا، بلا طعام أو اغطية للنوم ولا توجد أسرّة بل النوم على الأرض، فيما تتفشى نزلات البرد والأمراض الجلدية بشكل وبائي، ويتم منع دخول الأطباء أو الأدوية، ناهيك عن السرقات، مضيفا "تم احتجاز ابني مع الجنائيين يوم 24 يناير في حجز قسم شرطة رمل أول، وسرقوا منه ملابسه وهاتفه وحذاءه".

"ابنى كبر قبل الأوان منهم لله بحس إنه عجز وشاخ"، بهذه الكلمات وصفت والدة محمود أشرف سعيد "15عاما" الحالة التى أصبح عليها محمود منذ اعتقاله قبل شهر بينما كان يلعب الكرة مع بعض أصدقاء، تقول: "محمود ذهب ليحضر مذكرات لمادة التاريخ ولعب كرة مع أصحابه وفوجئنا باعتقاله وأصحابه لأنه اسرة أحدهم تنتمي لجماعة الإخوان، وتم تعذيب محمود وكهربته حتى الإغماء في مديرية الأمن بالإسكندرية والضغط للإعتراف بتهم لم يرتكبها، ووضعه فى حبس انفرادي، وظل هكذا لمدة عشر أيام وتم منع الزيارة وقتها حتى نقل بعدها إلى أحداث كوم الدكة، وذهلت عندما رأيته لأول مرة، حيث أصابته أمراض جلدية وأصبح نحيلا، فضلا عن تدهور حالته النفسية".

وتنقل أم محمود عن ابنها أن بين المعتقلين طفل عمره 11 عاما اعتقلوه عندما كان يكتب على الجدران "سيسي بطل" ولكنه لصغر سنه كان يكتبها "باطل" بدلا من "بطل" فاتهموه بأنه من الإخوان ولم يشفع له بكاؤه وتكرار القسم أنه كان يقصد كتابة "السيسي بطل" وأنه يحب السيسي، ولكنهم لم يصدقوه ولا يزال محتجزا.

الجديد، وبحسب روايات أهالى الأطفال المعتقلين، أن عددا من الضباط يعتقد أنهم من الأمن الوطنى، لا يكتفون بالضغوط الهائلة التى يعانيها الأطفال، والظروف المعيشية بالغة السوء فى أماكن الإحتجاز بأقسام الشرطة والمؤسسات العقابية، بل إنهم يعقدون لهم جلسات تدعى "جلسات النصح والحوار"، يتحدثون خلالها لضحاياهم من القصر والأحداث، عن الدور الرائد للشرطة، والظلم الذي وقع عليهم جراء ثورة 25 يناير، ومحاربتهم للإرهاب، كما أنهم يقومون بعزل أي طفل يعارض الآراء المطروحة من قبل الضابط الواعظ في عنبر يسمى "عنبر التأديب" حيث يقضي طيلة أيام احتجازه فى وضع القرفصاء.

اسلام ماجد محمد (16 عاما)، اعتقل فى الذكرى الثالثة لثورة يناير، وأودع فى قسم الأزبكية، وتمت كهربته، يقول والده: "وجدت ابني المعتقل متكهرب وعريان ومتغميه عينيه، عاوزين يطلعوا ابني بلطجي أو معاق نفسيا، الداخلية بتعمل في ولادنا إيه، الولد كل لما أقابله ميتكلمش، ابني مش إخوان، ولادنا نزلوا في 30 يونية بدل ما تكافئه بتعاقبه، الضباط يقولون لهم زي ما انتوا كسرتونا في 25 يناير احنا هنكسركم".

شباب ألتراس ثورجي المعتقلين تم ايداعهم بقسم الأزبكية بعد ضبطهم في حديقة الحرية في اليوم الثانى للإستفتاء على الدستور، وبينهم 18 من القصر منهم فتاتين أعمارهما 15 عاما، وتم تعذيبهم والتحرش بهم من قبل الضباط، قبل ايداعهم المؤسسة العقابية بالمرج بتهم تدمير منشآت عامة وقطع طريق ومنع المواطنين من الإستفتاء.

"ارتجاج في المخ، نزيف خلف الأذن وورم في الساق"، هذا هو التوصيف الأولي لحالة الطفل زياد وجدي عبد الفتاح (17 عاما)، بعد عرضه على الطب الشرعي نتيجة احتجازه في قسم أول أسيوط.

اعتقل زياد في كمين مركز الفتح بأسيوط أثناء عودته من السفر، فجر الإثنين 17 فبراير الجارى وتم ترحيله إلى مكان غير معلوم، يقول أحد أصدقاء زياد "رفض ذكر اسمه": فوجئت أسرة زياد بعرضه على النيابة ظهر الأربعاء 19 فبراير بعد مرور أكثر من 36 ساعة من اعتقاله، وهو في حالة إنهاك شديدة ناتجة عن التعذيب، حيث تناوب خمسة بلطجية عليه طيلة مساء الثلاثاء بزنازين قسم أول أسيوط الضرب المبرح وعدم السماح بالنوم، وظل التعذيب من وضعية الوقوف، حتى العرض ظهر الأربعاء، وتم توجيه تهمة حرق سيارة ضابط يدعي "محمد أشرف".

صهيب عماد 15 عاما، تم القبض عليه من بيته بالمنصورة يوم الثلاثاء 11 فبراير الجاري، تقول والدته: "عندما اقتحموا علينا البيت لم يجدوا غير صهيب وأخيه الأصغر بلال لكنهم بعدها تركوا بلال وظل صهيب محتجزا، ووجهوا له تهم حيازة لاب توب ومخدرات، والتحريض ضد الجيش والشرطة، وطالعنا صور صهيب بعدها فى الصحف مع مجموعة من الأطفال مع أحراز زجاجات مولوتوف وأسلحة.

ويروي أخو صهيب الأصغر الذي اعتقل معه وأفرج عنه بعدها بعضا مما شاهده في قسم الشرطة:" شغلوا لنا قناة "فلول" والضابط قال: "سما المصري مظبطاكم، وخدوا صهيب في أوضة وبعدين طلعوه منها وشفته بيعيط ووشه أحمر وعلى هدومه آثار ضرب بالحذاء".

محمد خالد شاذلي (17 عاما)، كان ضمن المجموعة التي عرفت بقضية متظاهري المعادى والتي تم القبض عليهم في الذكرى الثالثة لثورة يناير، يقول والده: "محمد في الثانوية العامة وهو شاب متفوق وكان نازل من درس الفيزياء في شارع تسعة بالمعادي فأشهر ضابط في وجهه السلاح واعتقله ونقل إلى قسم المعادي، وتقرر له بعدها إخلاء سبيل ومع ذلك النيابة استأنفت على قرار إخلاء السبيل وتم التجديد له، وتم ترحيله إلى المؤسسة العقابية وشربوه صابون سائل غير الإهانة والسب والضرب والتعذيب والكهرباء.

ويضيف الأب: "كلمنا كل منظمات حقوق الإنسان وجورج اسحاق من المجلس القومي لحقوق الانسان، بلا فائدة، ويقول بحسرة عندما تعتقل طفلا في هذه السن ماذا ستربح غير الكراهية ؟".

فادي سمير سامي (15 عاما) تم اعتقاله من الشارع وتوجيه تهمة الإنتماء للإخوان المسلمين، وعندما أفصح عن كونه مسيحي قال له الضابط بحسب رواية والد فادى: "إذن أنت من حركة ستة أبريل"، يضيف الأب: "أنا ابني اعتقل من الشارع بمعاونة الباعة الجائلين، والتهم جاهزة وكلها ملفقة، بلطجة، سب الداخلية، قطع طريق عام، حرام عليكم احنا بنصرف دم قلبنا على ولادنا علشان يطلعوا كويسين. أنا ابني من قسم قصر النيل إلى قسم عابدين تعرض لتعذيب بشع، واحنا نزلنا فوضنا المشير علشان يقضي على الإرهاب لكنه قضي على الشباب، والضباط يقولون الأوامر جايه من فوق".

تؤكد شيماء ابراهيم المحامية والناشطة الحقوقية وأمين لجنة المرأة والطفل بمركز الشهاب لحقوق الإنسان، أن كل الإجراءات التى يتم اتخاذها ضد الأطفال مخالفة بالكلية لقانون حقوق الطفل، وأن ذلك يتم وسط صمت مطبق من المنظمات المحلية المعنية، وإزاء ذلك فإن مجموعة من الحقوقين يعتزمون التوجه لتدويل القضية أواسط الأسبوع الجارى برفع تقارير لمنظمات دولية مرفقة باسماء واعمار الأطفال وشهادات موثقة لما يلاقونه من ايذاء وانتهاك نفسي وجسدى داخل أماكن الإحتجاز والمؤسسات العقابية، مشيرة إلى أن عدد االمعتقلين من الأطفال يفوق الـ300 منهم 100 فى الإسكندرية وحدها.

"هي كارثة نفسية هائلة ستستمر آثارها لسنوات طويلة" هكذا وصف الدكتور أحمد عبد الله مدرس الطب النفسي بجامعة الزقازيق مشهد تعرض الأطفال للإعتقال والتعذيب، مشيرا إلى أن المصريين جميعهم بحاجة إلى خبرات تعافي، ومؤكدا أن مصر أصبحت مختبرا نفسيا كبيرا لا يضاهى.

ويلقي اختصاصي الطب النفسي باللائمة على "الناس" في التجاوزات الحالية قائلا: "المصريون جميعهم مشاركون فيما يحدث بعجزهم وسلبيتهم، وغيابهم عن المراقبة والمحاسبة للأجهزة ورصد الانتهاكات، رفع الصوت عاليا والإدانة محليا وعالميا هو أبسط ما يمكن عمله، وللأسف المصري يستدعى العجز أولا لأن عقله ووعيه فقيران في معرفته بحقوقه كانسان، خاصة إذا ما تعلقت بالأطفال، الفئة الأضعف فى المجتمع، فقضيتهم بالنسبة للمجتمع العالمى حساسة ومن ثم يمكن حلها بسهولة.

المساهمون