11 فبراير.. "يا ريت زماني ميصحنيش"

11 فبراير.. "يا ريت زماني ميصحنيش"

11 فبراير 2015
سبني أحلم سبني، يا ريت زماني ميصحينش (Getty)
+ الخط -

يأتي قادماً من بعيد، صوت أم كلثوم، يقترب أكثر فأكثر، حتى يتبين أنه قادم من إحدى المقاهي الإسكندرية العتيقة في محطة الرمل، مقهى قديم وجد مكانه بين العمارات العتيقة، اختلط فيه حابل الشباب الحالمين، بنابل العجائز الواجمين، يأتي الصوت مشوباً بصوت بدا جاداً وغريباً عن أسماع رواد المقهى، إنه صوت اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية الأسبق وأسرع من أُلف هتاف لمهاجمته في التاريخ.

يزداد الترقّب من رواد المقهى والمارة في الشوارع، في حركة لافتة يقوم "القهوجي" بإغلاق الراديو المنبعث منه صوت كوكب الشرق، ليظهر صوت عمر سليمان جلياً، مُعلناً تنحي المخلوع مبارك، مُفرِحاً ومبهجاً للملايين من أبناء الشعب المصري، حالة من الفرح الهستيري تقوم في المقهى، لدرجة أن "المعلم" صاحب القهوة لم "يكدر" القهوجي، على أنه لم يحاول ولو عبثاً إنقاد بعض من الكراسي والطقاطيق، قبل أن يكسرها الزبائن من فرحتهم ، فما زالت في ركن بعيد من المقهى مجموعة من العجائر لم يتزحزحوا عن أماكنهم وكأن ثورة لم تقم.

ينبعث الهدوء شيئاً فشيئاً، بعد أن غادر معظم الرواد المقهى، ليبقى القليل منهم، ويبقى صوت أم كلثوم، وهي تشدو بأحد مقاطع رائعتها "أمل حياتي".. سبني أحلم سبني، يا ريت زماني ميصحينش.

سبني أحلم بأني أعيش في وطن تسوده الحرية والكرامة والعدالة، فقد رحل الطاغوت، زالت الغمة، خلاص مش هنخاف زي الأول، سنبني وطننا بسواعدنا، سنولّي علينا من يستحق حكم مصر، ويعبر بها إلى بر الأمان، من دون أن يحدثنا عن سفينة الوطن وقيادتها، من دون أن يخيّرنا بينه وبين اليمين الديني المتطرّف، من دون أن يوهمنا بالحرب والمؤامرة.. يا ليتني ما استغرقت في الحلم!

تمنى أن يقف الزمن عند هذه اللحظة، وتظل الجماهير محتشدة في الميادين كما هي، إلى حين التوصل إلى تشكيل محترم لـ"مجلس رئاسي" يتولى حكم البلاد إلى حين انتخاب الرئيس، أعرف أن بعضهم سيتهمني بالسذاجة، لكن في ذلك الوقت لم تكن هذه سذاجة، بل كان هذا "عين العقل". لكن للأسف ليس الزمان بمستجيب لنداء السيدة أم كلثوم، فقد صحا الجميع وأزعجهم وأتعبهم. 

"منصورة يا مصر مش بجميلة العسكر، إحنا اللي روحنا بدري بس مش أكتر"

على المقهى ذاته، ولكن في ظروف مختلفة، بعد سنوات أصحاه فيها الزمن بل وخنقه، يجلس الشاب الحالم، بعد أن يهيأ له أنه غريب وسط الناس، واضعاً "الهاند فري" في أذنيه، في محاولة بائسة منه للانعزال عن الواقع، مستمعاً إلى قصيدة الشاعر الشاب تميم البرغوثي، وهو يشدو بطريقته المميزة سطوره الموجعة، المبكية، ولكن بكاءً مثل كل البكاء في هذا البلد، الممتلئ بالمضحكات المبكيات.. "فكم ذا بمصر من المضحكات، ولكنه ضحك كالبكاء" كما يقول المتنبي. "كلمتين يا مصر، يمكن هما آخر كلمتين، حد ضامن يمشي آمن، أو مآمن يمشي فين؟"

(مصر)

المساهمون