واشنطن تتخلى عن المالكي

واشنطن تتخلى عن المالكي

21 يونيو 2014
+ الخط -

قبل سنة تقريباً، نشرت مقالاً بعنوان "الربيع العربي يحلق في سماء العراق"، كانت وقتها مؤشرات حدوث الحاصل اليوم في العراق. لكني لم أقتصر على أن تكون ثورة عشائر مسلحة وحرب طائفية مع جماعة داعش المعروفة بمنهجها المتطرف.
مر أسبوع وأكثر على الاقتتال في العراق، وعلى الاجتياح الذي تتلمسه داعش والعشائر المسلحة بنكهة النصر والتقدم نحو الأمام، خصوصاً أن الجيش العراقي لم يكن في كامل استعداده لخوض هذه الحرب، والتصدي لها، ما أجبر على الانسحاب، بأوامر ربما تكون خارجية. وأعطى للخصم مساحة كبيرة للتقدم والاستيلاء على مدن عراقية، وفتح الطريق للوصول إلى مداخل بغداد، وإلى أمكنة رئيس الوزراء نوري المالكي، ورفاقه.
لم تبد واشنطن تصريحاً واضحاً على السطح. ما أن اتخذت خيار التدخل العسكري، أو الحل السياسي، واستبدال نوري المالكي، بآخر أكثر اقتراباً مع مصالح واشنطن، وهو ما سيلجأ إليه باراك أوباما، او ربما علينا القول، إنه قطع الورقة البيضاوية في ذلك الأمر، منذ وقت طويل. لكنه ينتظر الفرصة السانحة لتقديم تلك الورقة البديلة، ما دام أنه لم يأمر بأي تدخل عسكري، بأي طريقة، أو لغة قتالية، حتى الآن، منذ أكثر من أسبوع على المواجهات في العراق.
جميع الحلول واردة في هذا الخصوص. ولا نستثني أي حل على الآخر، لكن التدخل العسكري أمر غير مقبول لدى واشنطن.
فقد أدركت الإدارة الأميركية، ومنذُ تغلغلت بعمق في غزو العراق، في عهد جورج بوش الابن، وحولتها إلى بحيرة دم، وأخذت منها ما أرادت أن تأخذه، وهو إطاحة الرئيس الراحل صدام حسين. كلفها هذا الأمر خسائر باهظة بشرية ومادية. حيث أدركت أن المرحلة الحالية والوضع الساخن لا يتطلب تدخلاً عسكرياً في أي أمر، فوضعت كل ثقلها على زرع مذاهب وطوائف. وأحدثت صراعات وحروباً بين مختلف المذاهب. وهذا ساعدها في توازن مصالحها في المنطقة، من دون أية خسائر. وعدم تدخل واشنطن عسكرياً في سورية، على الرغم من الضغوط والعروض المقدمة، دليل على ذلك. لكننا لا بد أن نأخذ كل شيء في الاعتبار، حسب الظروف الحالكة في سورية والعراق. وما يدور فيهما من أحداث غير متوازنة، وبعيدة في تقريب وجهات النظر.
علقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن البيت الأبيض متردد في قرار فتح ملف التدخل العسكري في العراق، مرة أخرى، بعد سحب قواته. ونشرت "الجارديان" البريطانية أن أميركا وإيران لا يستطيعان وضع أقدامهما في العراق. شبكة "سي إن إن" ذكرت أن من الخيارات المتاحة للإدارة الأميركية إحداث تغيير سياسي فعال في العراق، وهذا ما يجعلنا ندرك أهمية الوضع بالنسبة لأميركا وإيران.
عادي أن تشعر طهران بالخطر على ولدها المدلل في بغداد الذي يستحوذ على العراق، كدولة طائفية تابعة لإيران، وخادمة لها ومتقاربة مع مصالح واشنطن. وليس هذا أمراً هزلياً أن يلهث الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بالقول، "إن بلاده ستبذل كل ما في وسعها لحماية العتبات المقدسة في العراق"، وهذا دليل واضح على أن الوضع الساخن في العراق يهدد أمن إيران واستقرارها.
وقد جرى لقاء أميركي إيراني على هامش الاتفاق، فيما يخص ملف إيران النووي، لكنه لم يخرج بأية نتيجة عابرة في ما يخص الوضع العراقي الملتهب، من ناحية التدخل العسكري. وذلك يعطي حلاً غير أساسي، بخصوص الحل البديل الذي قد يضعه أوباما، محل نوري المالكي، ليحدث نوعاً من التوازن الخصب بين الطوائف. وما قد يذهل كثيرين أن ميزانية الجيش العراقي وتحركه واستراتيجيته تحت سيطرة واشنطن. وهو ما أدلى به الرئيس أوباما، أن الجيش العراقي لم يبن جيشاً بالشكل المطلوب، ما يدل على أن الجيش العراقي تحت تأثير الإدارة الأميركية، منذُ غزت أميركا العراق، وجعلته جزءاً من البناء الهيكلي لأميركا ومصالحها في المنطقة.
أصبح واضحاً نسبياً، أن أميركا في طريقها إلى تغيير قواعد سياستها في العراق، وخططت لهذا الحدث والتغيير القيادي منذُ فترة. إنه الدوران العكسي، وعهد التحالفات مع العدو القديم، والصديق الجديد، ولربما يتحول إلى عدو قديم. وضرب السهام الغادرة من الخلف، لما تقتضيه المصلحة العامة لأميركا وحلفائها. وهذه صفعة قوية للعرب، بتغيير قواعد اللعبة، وقلب الطاولة.
هل سيفعلها أوباما، ويستبعد خيار الضربة العسكرية، على الرغم من الضغوط، ويجعل من نفسه رئيساً نموذجاً لأميركا في القرن الواحد والعشرين؟ أم إن لا خيار غير الحل العسكري لتثبيت مصالح أميركا، ولا يوجد بديل أنسب يتعاطى مع سياسة واشنطن، في الوقت الحالي، لحدوث تغييرات سياسية فعالة في قمة هرم المثلث العراقي؟
ننتظر الأيام القليلة المقبلة التي ستحمل لنا الأجوبة .

 

 

CB59BB83-CDAC-4C33-81B8-A68DBAFDF14C
CB59BB83-CDAC-4C33-81B8-A68DBAFDF14C
راكان عبد الباسط الجُــبيحي (اليمن)
راكان عبد الباسط الجُــبيحي (اليمن)