هيثم محمدين: لا تحالف مع الإسلاميّين قبل الاتّفاق السياسي

هيثم محمدين: لا تحالف مع الإسلاميّين قبل الاتّفاق السياسي

24 ابريل 2014
محمدين: سنواصل الحراك لإسقاط الانقلاب العسكري
+ الخط -

"رفعوا الولاد العلم، رغم الألم مكتوب عليه بالدم شعب ما ينهزم". عبارة خطّها رسّامو حركة "الاشتراكيين الثوريين" باللون الأحمر على مدخل المبنى العتيق الذي يضم مقرّهم القريب من ميدان الجيزة. كلمات موجزة يستقبل بها "الرفاق" زوّارهم، تلخّص "إيمانهم بأنّ الجماهير هي دينامو أي ثورة شعبية، وأساس نجاحها واستمرار شعلتها متّقدة"، بحسب القيادي في الحركة، هيثم محمدين، الذي يؤكد، في حوار مع "العربي الجديد"، أنهم "سيواصلون حراكهم لإسقاط الانقلاب العسكري"، مشيراً إلى "إمكانية تأسيس تحالف سياسي مع الإسلاميين بعد الاتفاق على مشروع سياسي يجمعهم تحت مظلته".

* هل توقعتم أن يستغلّ العسكر حراككم في 30 يونيو/ حزيران الماضي، للانقلاب على السلطة؟

- إن أي تحليل سياسي لمشهد 30 من يونيو، دون ربطه بالإطار العام الذي تولّى فيه الرئيس المعزول محمد مرسي السلطة، والفترة السابقة لها، سيكون خاطئاً، فجماهير 30 يونيو كانت شديدة التناقض، وضمّت قطاعاً من الثوار والجماهير الغاضبة من سوء الأوضاع الاجتماعية، وقطاعاً من فلول نظام حسني مبارك. السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تشكلت هذه التركيبة المُتناقضة من الثوار وأفراد محسوبين على الثورة المضادة، والنظام القديم؟

هذا يعيدنا إلى سياسات جماعة "الإخوان المسلمين" التي تبنّت، أثناء وجودها في السلطة، السياسات الاقتصادية نفسها لنظام مبارك، وهي سياسات الليبرالية الجديدة التي أفقرت الشعب المصري وكانت سبب بؤسه، كما أن سلطة "الإخوان" هاجمت التحركات الاجتماعية، مثلما حصل عند إطلاق قوات الشرطة الكلاب البوليسية على عمال شركة الإسمنت في الإسكندرية بغطاء "إخواني". كما أصدر القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، عبد الفتاح السيسي، قراراً أجبر بموجبه سائقي السكك الحديدية على إنهاء إضرابهم عن العمل، تحت إمرة القوات المسلحة. عندها أيضاً، لم يتدخل مرسي، على الرغم من أنه كان في حينها القائد الأعلى القادر على إلغاء القرار. الغريب أن بعض قادة الجماعة خرجوا للقول إن "الفلول والشيوعيين وراء هذا الحراك العمالي"، واعتبروه مؤامرة على مرسي.

كما لم يقر مجلس الشعب، الذي سيطرت عليه أغلبية "إخوانية"، قانون الحريات النقابية، على الرغم من أنه لم يكن ليشكل عبئاً على ميزانية الدولة، ولم يكلّف الحكومة مليماً واحداً. الحقيقة أن الإخوان لم يخشوا من الفلول في "الاتحاد العام لنقابات عمال مصر"، لكنهم رفضوا إقرار القانون خوفاً من النقابات المستقلة. وعندما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً في أغسطس/ آب 2012 بحل الاتحاد العام، كان من حق وزير القوى العاملة الإخواني، خالد الأزهري، وفقاً لقانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976، تعيين لجنة من النقابيين وشخصيات مهتمّة بالشأن العمالي للنظر في الأمر. وقد شكّلت اللجنة بالفعل، وضمّت فلولاً.

هذا بالإضافة لعدم تطهير جهاز الشرطة، بل تسليحه وترقية بعض الضباط من قَتَلة المتظاهرين في عهد مرسي، مثل خالد غرابة في الغربية، وناصر العبد في الإسكندرية، وتعيين السيسي، مهندس موقعة الجمل، بشهادة القيادي الإخواني محمد البلتاجي، الذي طالبهم بإخلاء ميدان التحرير في اليوم السابق للموقعة، وزيراً للدفاع.

* لكن ألم تؤدّ "الدولة العميقة" دوراً في تأجيج الأوضاع ومحاولة إفشال مرسي؟

- يجب أن نميّز، في هذا الإطار، بين تحريك الجماهير ومحاولة الفلول استغلال حركتهم وركوبها. لا شك أن الجهاز الإداري للدولة من الموالين للرئيس المخلوع مبارك، والأجهزة الأمنية السرية، تدخلوا وأدّوا دوراً، لكنهم لم يحركوا الجماهير التي خرجت للمطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية. كان أمل هؤلاء معقوداً على جماعة الإخوان التي قدمت نفسها تحت شعارين: الأول "نحمل الخير لمصر"، في الانتخابات البرلمانية عام 2012، و"مشروع النهضة" في الانتخابات الرئاسية عام 2013. لكن، لأنها تنظيم إصلاحي منحاز لسياسات الرأسمالية العالمية، لم تحقّق هذه الشعارات، فازدادت الأوضاع سوءاً على مستوى الأجور التي لم تواكب ارتفاع الأسعار، وهذا هو السبب الأعمق لتفجّر الاحتجاجات.

* هل توقّعتم مشاركة فلول الحزب الوطني وضباط الشرطة في تظاهراتكم؟

- كنا نعلم أن الفلول سيشاركون في تظاهرات 30 يونيو، لكن الحقيقة أن الإخوان هم مَن أعطوهم الأمل في العودة من جديد، عبر حفاظهم على دولة مبارك ومحاولتهم ترميمها أثناء وجود مرسي في السلطة، باعتبارهم جماعة إصلاحية انتهازية. بالإضافة إلى أن التحالف السياسي المسمى بـ"جبهة الإنقاذ"، منح الفلول شرعية العمل السياسي، وقدم الغطاء لحراكهم الميداني، وسمح لهم بالانضمام إلى الجبهة تحت شعار تصدي "الدولة المدنية" لـ"الدولة الدينية"، وكلها مسميات خاطئة.

* هل كان لدعوتكم إلى مسيرة من مسجد الفتح علاقة بالأمر؟

- حرصنا على الدعوة لمسيرة تنطلق من مسجد الفتح برمسيس، في 30 يونيو الماضي، لتكون ثورية خالصة. كان نشطاء القوى الثورية، في بعض الأحيان، يضربون الفلول ويطردونهم من المسيرات. حدث ذلك في تظاهرات جمعة "كشف الحساب" الأولى والثانية التي نُظّمت في أكتوبر/ تشرين الأول 2012، و"اعتديتُ" بنفسي على رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور، عمرو موسى، فاعتليتُ سيارته، أثناء مشاركته في إحدى المسيرات، وهتفنا وقتها: "التحرير بيقول، عمرو موسى فلول".

* ماذا فعلتم حين احتشد الفلول في التحرير والاتحادية في 30 يونيو؟

- كان خيار عدم المشاركة في المسيرات مستبعداً؛ فنزول الجماهير كان أمراً مؤكداً، لذلك فضّلنا تحذيرهم وعدم تركهم فريسة للعسكر، منذ اللحظة الأولى، وخصوصاً أن القوى الثورية نجحت قبل ذلك في طرد الفلول من المسيرات بسبب ما كنّا نتمتع به من توازن وقوة، لكننا في النهاية كنا نصارع جبهات واسعة وقوية، ولم نتمكن من مواجهتهم، ووقعت اشتباكات بالفعل أمام قصر الاتحادية.

أؤكد مرة أخرى أن جماهير 30 يونيو لم تكن فلولية خالصة، وكان معظم المشاركين فيها من ثوار 25 يناير، لكن قيادتها السياسية كانت مقسّمة بين دولة مبارك، متمثّلة في وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي، وجبهة الإنقاذ، التي كانت بمثابة الذراع السياسي للانقلاب العسكري. ولم يكن لجماهير الثورة ممثلاً في خطاب السيسي، في 3 يوليو/ تموز الماضي.

* ماذا كانت ردة فعل الحركة عندما أعلن السيسي بيان 3 يوليو الماضي؟

- رفض الاشتراكيون الثوريون وحركة "شباب 6 إبريل" طرحاً تقدمت به جبهة 30 يونيو/ حزيران، قبل التظاهرات بنحو شهرين، يتضمن بنود خريطة طريق 3 يوليو نفسها، بالإضافة لبند يسمح لمجلس الدفاع والأمن القومي بتأمين البلاد طوال فترة تنفيذ الخريطة، لأننا اعتبرناه استدعاء للعسكر. كما حذّرنا، يوم 26 يونيو الماضي، من عودتهم إلى المشهد، وأدركنا أن ما يحدث هو انقلاب عسكري على الثورة، فور ظهور السيسي. الحقيقة أن إعلانهم عن خريطة الطريق في اليوم الثالث لتظاهرات 30 يونيو، كان متعمّداً لمنع تكرار سيناريو 25 يناير 2011، ولقطع الطريق على استمرار موجة الاحتجاج للمطالبة بإصلاحات اقتصادية، فتعمّد العسكر أن يقتصر الحراك على إسقاط مرسي، الذي لم يكن رأساً للدولة، وعدم تجاوز هذا المطلب والمطالبة بالمزيد ما يهدد بالاصطدام بالدولة، وهو الأمر الذي كانوا يخشونه، وخصوصاً أن دعوتنا لتظاهرات 30 يونيو تضمّنت الدعوة إلى الإضراب العام.

* لماذا إذاً نجح مخطط العسكر وفشلت دعوتكم للإضراب؟

- لم يكن لنا، كقوى ثورية، دور في توجيه الجماهير، وأغلقت السلطة الطريق أمامنا بكل السبل، ومُنعنا من الظهور في وسائل الإعلام، حتى لا يتم عرض مطالب أخرى تتجاوز مطلب إسقاط مرسي.

* هل شعرتم أن قوى الانقلاب استغلتكم لإضفاء صبغة ثورية على الحراك؟

- لم تكن الدولة أو جبهة الإنقاذ بحاجة لذلك، لأنهم كانوا يراهنون على عدد المتظاهرين في الشارع في المقام الأول.

* ما مستقبل التحالف السياسي بينكم وبين فرقاء الثورة من التيار الإسلامي؟

- لا شك أن الجماعة أدّت دوراً لفترة طويلة في مواجهة نظام مبارك في الجامعات والشوارع، ما أكسبها ثقة سياسية. لكن تصدّرهم للمشهد السياسي، كان تصدّراً سياسياً غير ثوري. فهم، على سبيل المثال، لم يطرحوا الإطاحة بنظام مبارك بعد تزوير آخر انتخابات برلمانية قبل الثورة عام 2010، وأسّس نوابهم، بالتعاون مع نواب من تيارات مختلفة، برلماناً موازياً. لدى الحركة، منذ نشأتها، رؤية وموقف من الحركة الإسلامية بشكل عام و"الإخوان" بشكل خاص، ولدينا تحليل طبقي لهذا التنظيم الجماهيري المتشعّب في أوساط العمال والطلاب والمهنيين. نرى أن قيادته انتهازية ورجعية تعمل طوال الوقت مع النظام لتحقيق أكبر مكاسب سياسية ممكنة. أما قواعده، فكانت جزءاً من قلب الثورة المصرية، لكنها منحازة سياسياً إلى هذا التنظيم الإصلاحي.

* إذن، هل يمكن أن يكون ذلك نواة لتحقيق تحالف سياسي ما في مواجهة الانقلاب؟

- الاتفاق مع قيادات "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب" على تنظيم فعاليات ميدانية مشتركة، من دون التوافق على مشروع سياسي أولاً، خاطئ، بدليل الاشتباكات المحدودة بين أنصار التحالف والقوى الثورية التي وقعت أمام مسجد مصطفى محمود، في الذكرى السنوية لثورة 25 يناير. يجب الاتفاق على مشروع سياسي محدد قبل كل شيء، ويجب أن يحدد الإخوان مواقفهم بوضوح تجاه الفئات المضطهَدة، مثل الأقباط وغيرهم.

* هل يمكن أن تقود حركتكم عملية التنسيق للاتفاق على بنود هذا المشروع؟

- الاتفاق على المشروع السياسي أمر مهم لتحقيق أي تحالف. "الإخوان" يقلّلون من أهمية احتجاجاتنا لإسقاط قانون التظاهر، لأنهم يرون أنهم أسقطوه بتظاهراتهم في الشارع. هذه رؤية قاصرة، لأنهم لا يدركون أن القانون ينطبق على كافة المحتجين في الأحياء الشعبية التي قد تخرج احتجاجاً على الغلاء، أو عمال المصانع. تلك هي الفئات التي تشكل أي موجة ثورية والتي تستطيع إسقاط الانقلاب.

* يرى البعض أن مواقفكم اتّسمت بمثالية زائدة بعيدة عن الواقع الذي يفرضه المشهد السياسي.

- هذا غير صحيح، فالحركة، على سبيل المثال، أصدرت بياناً بتاريخ 28 فبراير/ شباط 2011، حذّرت فيه من قيادة العسكر للثورة المضادة. واجهنا حينها صعوبة في توزيع البيان على المتظاهرين في ميدان التحرير، لكن رؤيتنا السياسية كانت واقعية، وهو ما كشفت عنه ممارسات المجلس العسكري بقيادة وزير الدفاع الأسبق، المشير حسين طنطاوي، انتهاءً بما يفعله السيسي.

* وصفتم حزبي التجمع والشيوعي المصري بالضعف وموالاة الرئيس المخلوع حسني مبارك. هل قدّمتم بديلاً يسارياً قادراً على ملء هذا الفراغ؟

- بالطبع، فقد طالبنا بإسقاط دولة مبارك في الوقت الذي تحالفت فيه هذه الأحزاب مع النظام، وتؤيد الآن الانقلاب العسكري. الحقيقة أن عدم وجود حزب ثوري يملك قواعد تضم عمالاً وطلاباً وشباباً وفقراء، يطيح بنظام مبارك بالكامل، كان أزمة الثورة منذ بدايتها. فقد أعطى ذلك القوى الإصلاحية والانتهازية فرصة للسيطرة. كانت الثورة حدثاً مفاجئاً للجميع، وأحداثها المتسارعة دفعت المجموعات الثورية، وهي صغيرة مقارنة بحجم الثورة، لملاحقتها والدخول في حرب على أكثر من جبهة، وهذا لا يعفيها من مسؤولية تأسيس حزب ثوري، يمكن أن تكون الحركة نواة لهذا الحزب.

* اكتفت الحركة بدور المعارض لسياسات النظام، ولم تخض أي انتخابات، حتى بعد اندلاع الثورة، كيف ترى الأمر؟
- ليس لدينا موقف ثابت من الانتخابات طوال الوقت، لكن حالة الضعف التي كان عليها اليسار في التسعينات، قلّلت من قدرته على التنافس بشكل عام. لا ندّعي قدرة على خوض الانتخابات على عدد أكبر من المقاعد، وهذه حال الغالبية العظمى من القوى الثورية التي لا تسمح لها قوتها بالتنافس في الانتخابات منفردة.

المساهمون